×

الاستقرار في المدينة

كان ذاك اسمها قبل أن يأتي إليها رسول الله ﷺ، وبعد أن استقر فيها ﷺ أصبح اسمها مدينة الرسول أو المدينة.

 ونحب أن نقف على وصف سريع للوضع السكاني الذي كان قائماً في يثرب قبل وصوله ﷺ إليها.

 كان يسكنها الأوس والخزرج، وقبائل من يهود:

1الأوس والخزرج.

هما قبيلتان مشهورتان من العرب قطنتا يثرب، وخزرج وأوس أخوان أبوهما حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء. . . بن كهلان. . ابن قحطان. وأمهما: قيلة بنت كاهل من قضاعة. وغلب اسم خزرج على الفريقين.

 وكانت بين القبيلتين حروب استمرت زمناً طويلاً – وكان اليهود يشاركون في إيقادها – وكان آخرها: يوم بعاث (1). حيث جرى قتال شديد بين الفريقين وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان البياضي ورئيس الأوس حضير، والد أسيد الصحابي – وانتصر فيها الخزرج أولاً ثم ثبت حضير الأوس فكان النصر لهم آخر اليوم.

 كان يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات.

_______________________

(1) سيرة ابن هشام 1/ 555 – 556.
 


وأدرك الأوس والخزرج بعد هذه الواقعة سوء الحرب بعد أن سئموا القتال وكانت هناك مداولات في محاولة رأب الصدع بين الفريقين والاتفاق على عبد الله بن أبي بن سلول – وهو من الخزرج – ليكون ملكاً على الفريقين، وإن كانت النفوس ما زالت متأثرة بجراحها من يوم بعاث.

 2- اليهود وكانوا ثلاث قبائل:

– بنو قينقاع.

– بنو النضير.

– بنو قريظة.

 وكانوا على حلف مع الأوس والخزرج كل فريق منهم يدفع حليفه للقتال واستطاعوا نتيجة لذلك أن يسيطروا على الوضع الاقتصادي ليثرب فكانت السوق بأيديهم.

 على أنهم لم يكونوا مختلطين مع سكان يثرب إذا كانت لهم حصونهم المستقلة في أطراف المدينة حيث تغلق الأبواب ليلاً ووراء هذه الأبواب تحاك الدسائس ويُخطط للفتن.

 وجاء رسول الله ﷺ – كما رأينا – بعد بيعة العقبة الثانية لتتغير الصورة الأولى، وقد كانت قائمة على أساس من العصبية القبلية من جانب – بين الأوس والخزرج – وأساس آخر من الدين الذي يربط اليهود مع بعضهم ضد العرب – الأوس والخزرج – وكان هؤلاء اليهود يتعالون على العرب – أوسهم وخزرجهم – ويتوعدونهم بنبي قد أظل زمانه وإنهم سوف يؤمنون به ويقتلونهم معه قتل عاد وإرم. الأمر الذي دفع الفريق الأول من الخزرج للإيمان بالرسول ﷺ وقولهم: إنه للنبي الذي تواعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.

 وقام تصنيف جديد يقوم على أساس من رابطة العقيدة التي أزالت كل الفوارق والحواجز وإذا سكان المدينة:

– المسلمون: من المهاجرين والأنصار – الأوس والخزرج.

– المشركون: وهم الذين لم يسلموا من الأوس والخزرج.

– اليهود: وهو الطوائف الثلاث التي ذكرناها واستمروا على وضعهم السكني في حصونهم، بينما بقية الناس من مسلمين ومشركين يشتركون في السكن في المدينة.

 وأوضحت الكلمة الأولى في المدينة لرسول الله ﷺ. يقول فيسمع قوله ويأمر فيطاع، وذهبت الأحلام التي راودت عبد الله بن أبي بن سلول أدراج الرياح، وكان على وشك أن يوضع التاج على رأسه فيصبح ملك يثرب، وإذا به اليوم رجل من الرجال له من الاحترام والتقدير بالمقدار الذي يقدمه للرسول ﷺ من الولاء والاحترام، وهذا ما دفع عبد الله أن يحسد رسول الله.  فيظل على شركه.

 كان رسول الله ﷺ يمر بالمدينة يوم قدومه فكان كل آل بيت يستوقفونه ويطلبون منه أن ينزل فيهم، إلا ما كان من عبد الله بن أبي بن أبي سلول – وهو سيد الخزرج يومئذ – فقال للرسول ﷺ وهو يمر ببيته: أنظر الذين دعوك فأنزل عليهم. فذكر ذلك رسول الله ﷺ لنفر من الأنصار فقال سعد بن عبادة يعتذر عنه: لقد من الله علينا بك يا رسول الله وإنا نريد أن نعقد على رأسه التاج ونملكه علينا (1).

 وغريب أن يوجه ابن أبي هذا الخطاب للنبي الكريم، وهو الذي لم يطلب النزول عنده، بل ولم يطلب ذلك من غيره، ولكن أبت تلك النفس الخبيثة إلا أن تظهر بعض ما فيها.

_______________________

(1) البداية 3/ 199.

مواضيع ذات صلة