لكل من دخل في الإسلام قصة، أو موقف، أو عنده علم من كتب السابقة، أو رأى شيئاً من محاسن الإسلام، أو تنبه لأمر، أو لاحظ ملحظاً، أو قرأ شيئاً، أو سمع عن شيء من جمال هذا الدين، أو ذهل من القرآن، أو أخذت سيرة النبي ﷺ بمجامع قلبه. . .إلخ.
فهذه المواقف من أعظم الأدلة على صدق النبي ﷺ وصدق القرآن العظيم.
قال سبحانه وتعالى:
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ}
[الأحقاف: 10]،
قال القرطبي: “قال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: هو عبد الله بن سلام، شهد على اليهود أن رسول الله ﷺ مذكور في التوراة، وأنه نبي من عند الله، وفي الترمذي عنه: نزلت في آيات من كتاب الله؛ نزلت في:
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنۢ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ}
[الأحقاف: 10].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الجامع لأحكام القرآن (16/ 125) بتصرف.
2. أي: وهو يقيم فيها وقت اجتناء الثمر في الخريف، الوسيط (خ ر ف).
“روى أنس رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ (2)، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ جِبْرِيلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا قَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ” .
(1)
شهادة النجاشي:
وهذه شهادة النجاشي ملك الحبشة، وسيد النصارى في زمانه، بل إنه أسلم؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب: من كان عدواً لجبريل، رقم (4210).
“بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَبُو مُوسَى فَأَتَوْا النَّجَاشِيَّ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ ثُمَّ ابْتَدَرَاهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَا لَهُ إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ وَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا قَالَ فَأَيْنَ هُمْ قَالَ هُمْ فِي أَرْضِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ جَعْفَرٌ أَنَا خَطِيبُكُمْ الْيَوْمَ فَاتَّبَعُوهُ فَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ فَقَالُوا لَهُ مَا لَكَ لَا تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ قَالَ إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ ﷺ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ قَالُوا نَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ قَالَ فَرَفَعَ عُودًا مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ وَاللَّهِ مَا يَزِيدُونَ عَلَى الَّذِي نَقُولُ فِيهِ مَا يَسْوَى هَذَا مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ الَّذِي نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ وَإِنَّهُ الرَّسُولُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الْآخَرِينَ فَرُدَّتْ إِلَيْهِمَا ثُمَّ تَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَ بَدْرًا وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُهُ” .
(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم (4386)، وإسناده ثقات إلا حديج بن معاوية، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (ص 226): صدوق يخطئ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 24): رواه أحمد والطبراني وفيه حديج بن معاوية، وثقه أبو حاتم، وقال: في بعض حديثه ضعف، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات. ا هـ، وله شواهد كثيرة من حديث أم سلمة، ومحمد بن حاطب، وجعفر بن أبي طالب، وأبي موسى أخرجها الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 24- 37).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
(1)
فصلاة النبي ﷺ عليه تدل على إسلامه.
ومن أعظم الشهادات هذا الموج المتتابع من قوافل الداخلين في الإسلام، الذي يقدر عشرات الألوف سنوياً على مستوى العالم، بل نستطيع أن نقول وبكل ثقة: إنه لا تمر ساعة إلا ويسلم فيها إنسان على مستوى العالم، بل نستطيع أن نقول وبكل ثقة: إنه لا تمر ساعة إلا ويسلم فيها إنسان على مستوى العالم (2).
وقد ألف د. جفري لانغ الأمريكي كتاباً بعنوان: “الصراع من أجل الإيمان”، يتكلم فيه عن سبب إسلامه، وأنه كان بعد تأمل طويل في الدين، ثم عقد فصلاً بعنوان: “رسول الله” تكلم فيه كلاماً طويلاً في كيفية إعجابه بشخصية الرسول ﷺ، وكيف استدل على صدقه (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. متفق عليه (البخاري: كتاب الجنائز، باب: الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه، رقم (1188)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب: في التكبير على الجنائز، رقم (951) وورد في الصحيحين عن جابر أيضاً.
2. سألت الإخوة في لجنة التعريف بالإسلام فأخبروني أنه في أمريكا فقط يسلم أكثر من ثلاثين ألفاً سنوياً، و في لجنة مسلمي إفريقيا يتجاوز الداخلون في الإسلام المائة ألف كل سنة، ناهيك عن أعداد الذين يسلمون في أوروبا والأمريكتين وآسيا واستراليا، والذين يأتون إلى الدول العربية من غير المسلمين.
3. الصراع من أجل الإيمان، انطباعات أمريكي اعتنق الإيمان، د. جفري لانغ (ص 121)، ترجمة د. منذر العبسي، دار الفر، دمشق، الطبعة الأولى، 1998، وقد ألف كتاباً آخر بعنوان: “حتى الملائكة تسأل، رحلة الإسلام في أمريكا”، ترجمة د. منذر العبسي، دار الفكر المعاصر، بيروت الطبعة الأولى، 2001م.
وقد ألف د. خالد السيوطي كتاباً حافلاً بعنوان: “المهتدون إلى الإسلام من قساوسة النصارى وأحبار اليهود حتى القرن التاسع الهجري” (1)، وذكر فيه قصصاً كثيرة ومواقف عجيبة لقوم أسلموا وهم من العلماء والأحبار في الديانتين اليهودية والنصرانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. طبعته مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م.