من أعظم الحوادث التاريخية التي حصلت للعرب في الجزيرة العربية حادية حماية الكعبة من جيش أبرهة الذي تقوده الفيلة، وهذه الحادثة متواترة، يذكرها كل من تكلم عن التاريخ في الجزيرة، بل حتى عندما ذكرها الله تعالى في كتابه لم ينكرها كفار مكة الذي كانوا أحرص الناس على تكذيب القرآن، وهم أعلم الناس بتاريخ مدينتهم، مما يدل على قطعية حصولها.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “فصل: ومن آيات محمد ﷺ ودلائل نبوته التي في القرآن قصة الفيل؛ قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَٰبِ ٱلْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍۢ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍۢ مِّن سِجِّيلٍۢ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍۢ مَّأْكُولٍ}
[الفيل: 1-5]
وقد تواترات قصة أصحاب الفيل وأن أهل الحبشة النصارى ساروا بجيش عظيم معهم فيل؛ ليهدموا الكعبة لما أهان بعض العرب كنيستهم التي باليمن فقصدوا إهانة الكعبة وتعظيم كنايسهم، فأرسل الله عليهم طيراً أهلكهم، وكان ذلك عام مولد النبي ﷺ، وكان جيران البيت مشركين يعيدون الأوثان، ودين النصارى خير من دينهم؛ فعلم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ، بل كانت لأحل البيت أو لأجل النبي ﷺ الذي ولد به في ذلك العام عند البيت، أو لمجموعهما، وأي ذلك كان فهو من دلائل نبوته فإنه إذا قيل: إنما كانت آية للبيت وحفظاً له وذباً عنه؛ لأنه بيت الله الذي بناه إبراهيم الخليل، فقد علم أنه ليس من أهل الملل من يحج إلى هذا البيت ويصلي إليه إلا أمة محمد ﷺ، ومحمد هو الذي بلغ فرض حجة والصلاة إليه، فإذا كان هذا البيت عند الله خيراً من الكنائس التي للنصارى حتى إن الله أهلك النصارى أهل الكنائس لما أرادوا تعظيم الكنائس وإهانة البيت؛ علم أن دين أهل هذا البيت خير من دين النصارى، والمشركون ليسوا خيراً من النصارى، فتعين أن أمة محمد ﷺ خير من النصارى، وذلك يستلزم أن نبيهم صادق وإلا فمن كانوا متبعين لنبي كاذب فليسوا خيراً من النصارى بل هم شرار الخلق كاتباع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما” (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/55).