من الخصائص المشتركة بين الأنبياء: أنه لا ينبغي أن تكون لهم خائنة الأعين.
ودليل ذلك:
1-
عن سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ:
(أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟)
فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟
قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ)
(1) (2).
______________________
1. عبدالله بن أبي سرح أسلم قبل الفتح، وكتب لرسول الله ﷺ ثم ارتد ثانية وقيل إنه كان أخاً لعثمان بن عفان من الرضاع.
2. أخرجه أبو داود برقم (2683، 4359) والنسائي برقم (4078) وصححه الألباني. وقال ابن الملقن – بعد أن ساق الحديث -: رواه أبو داود والنسائي من حديث سعد بن أبي وقاص، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. (غاية السول ص 142).
2-
عن أنس رضي الله عنه قال: غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيَحْطِمُنَا فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ وَجَعَلَ يُجَاءُ بِهِمْ فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمَ يَحْطِمُنَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَجِيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يُبَايِعُهُ لِيَفِيَ الْآخَرُ بِنَذْرِهِ.
قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهَابُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَذْرِي؟
فَقَالَ: (إِنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمَ إِلَّا لِتُوفِيَ بِنَذْرِكَ).
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ؟!
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ)
(1).
ومعنى خائنة الأعين: الإيماء بالعين. وإنما قيل لها خائنة الأعين تشبيهاً بالخيانة من حيث إنه خلاف ما يظهر.
ومعنى يومض: من الإيماض، وهو الرمز بالعين والإيماء بها، ومنه: وميض البرق، وهو لمعانه.
والحكمة واضحة بشأن هذه الخصوصية في حق الأنبياء، فهم يمثلون الذرا الأخلاقية في أقوامهم وأجيالهم وأممهم، وهم معلمو الناس الخير، فما كان لهم أن يتصفوا بمثل هذه الصفة التي تنقص من مكانتهم.
______________________
1. أخرج أبو داود برقم (3194) والترمذي (1034) وابن ماجه (1494) وهو مختصر عندهما.
وكونها خصوصية لهم، لا يعني أنه ليس لغيرهم أن يتصف بها، بل إن الاتصاف بها من مكارم الأخلاق، ومن كان حريصاً على المحافظة على هذه المكارم فليتأس بهم.