قال ابن طولون: ومن الواجبات التي خص بها رسول الله ﷺ: الوفاء بالوعد، بخلاف غيره من الأمة، وهو فرع حسن ذكره ابن الجوزي (1).
وصرح به المهلب في شرح البخاري، عند قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما جاءه مال من البحرين: “من كان له عند النبي عدة أو دين ليأتنا” (2).
قال: إنما عمل الصديق ذلك لأن الوعد منه عليه الصلاة والسلام يلزم فيه الإنجاز لأنه من مكارم الأخلاق، وجعلوا فرقاً بينه وبين غيره من الأمة ممن يجوز أن يفي أو لا يفي (3).
والنص الذي بين أيدينا ليس فيه دلالة على الخصوصية، أو أن الحكم في الوفاء بالوعد بشأن عامة المسلمين غيره بشأن النبي ﷺ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث:
“لما قام أبو بكر مقام النبي ﷺ تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع، فلما التزم ذلك، لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دين أو عدة، وكان ﷺ يحب الوفاء بالوعد، فنفذ أبو بكر ذلك.
وقد عد بعض الشافعية من خصائصه ﷺ وجوب الوفاء بالوعد أخذاً من هذا الحديث. ولا دلالة في سياقه على الخصوصية، ولا على الوجوب” (4).
______________________
1. ابن الجوزي: أبو الفرج، عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي، علامة عصره في التاريخ والحديث، توفي سنة (597 هـ).
2. متفق عليه (خ 2296، م 2314).
3. انظر مرشد المحتار ص 95.
4. فتح الباري 4/ 475.
والأمر الخطير في المسألة أن نجعل فرقاً بين ما ينبغي أن يلتزم به النبي ﷺ وبين ما يلتزم به الفرد المسلم، علماً بأن الخطاب واحد:
ففي حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
(آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)
(1).
وَعَنْ عبدالله عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)
(2).
ففي هذين الحديثين النص على أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين والرسول ﷺ هو الأسوة وهو المبين للأحكام، فكيف يكون له حكم مغاير لحكم بقية المسلمين، ولا دليل على التخصيص؟! إنه الأمر الخطير.
______________________
1. متفق عليه (خ 33، م 59).
2.متفق عليه (خ 2459، م 58).