تمثل السورة من القرآن الكريم الوحدة الموضوعية في هذا الكتاب العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والأمر الملاحظ والملفت للنظر أن معظم السور تبدأ بخطاب الرسول ﷺ أو الحديث عنه، كما أنها تختم بذلك
وبهذا يمثل خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم والحديث عنه إطاراً لمعظم السور إذا استثنيا قصارها وبعض سور المفصل.
وكما يحتضن الإطار اللوحة الفنية ويحيط بها من أطرافها، كذلك تأتي الآيات الكريمة وفيها الأمر والنهي والتوجيه والتحذير والتذكير والبيان محاطة بخطاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أو حديثه عنه.
وفي هذا ما فيه من التكريم والتشريف لقدر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تأكيد آخر على ما أراد الله تعالى له من الكرامة في الدنيا والآخرة.
ولنذكر الأمثلة على ذلك:
1- فسورة البقرة تبدأ بقوله تعالى:
{الٓمٓ ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ}
(1).
______________________
1. سورة البقرة، الآيات (1-3).
وتنتهي بقوله تعالى:
{ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ..}
(1).
وتبدأ سورة آل عمران بقوله تعالى:
{الٓمٓ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ. . .}
(2).
وتنتهي بقوله تعالى:
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فِى ٱلْبِلَٰدِ}
(3)
إلى آخر الآيات في الموضوع نفسه.
وتبدأ سورة الأعراف بقوله تعالى:
{الٓمٓصٓ كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}
(4).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلْأَصَالِ..}
(5).
وتبدأ سورة التوبة بقوله تعالى:
{بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ}
(6).
وتنتهي بقوله تعالى:
{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}
(7).
______________________
1. سورة البقرة، الآية (285).
2. سورة آل عمران، الآيات (1-3).
3. سورة آل عمران، الآية (196).
4. سورة الأعراف، الآيتان (1-2)
5. سورة الأعراف الآية (205).
6. سورة التوبة، الآية (1).
7. سورة التوبة، الآية (128).
وتبدأ سورة هود بقوله تعالى:
{الٓر ۚ كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوٓا إِلَّا ٱللَّهَ ۚ إِنَّنِى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}
(1).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ }
(2)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة يوسف بقوله:
{الٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ}
(3).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰٓ ۗ }
(4)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة الرعد بقوله تعالى:
{الٓمٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ۗ وَٱلَّذِىٓ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ}
(5).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلْكِتَٰبِ}
(6).
وتبدأ سورة إبراهيم بقوله تعالى:
{الٓر ۚ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ}
(7).
______________________
1. سورة هود، الآيتان (1- 2).
2. سورة هود، الآية (120).
3. سورة يوسف، الآيات (1-3).
4. سورة يوسف، الآية (109).
5. سورة الرعد، الآية (1).
6. سورة الرعد، الآية (43).
7. سورة إبراهيم، الآية (1).
وتنتهي بقوله تعالى:
{فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ }
(1)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة الحجر بقوله تعالى:
{الٓر ۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ وَقُرْءَانٍۢ مُّبِينٍۢ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا}
(2).
وتنتهي بقوله تعالى:
{ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ}
(3).
وتبدأ سورة الإسراء بقوله تعالى:
{سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا}
(4).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ وَلِىٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًۢا}
(5).
وتبدأ سورة الكهف بقوله تعالى:
{ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ۜ }
(6).
وتنتهي بقوله تعالى:
{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ . .}
(7).
_____________________
1. سورة إبراهيم، الآية (47).
2. سورة الحجر، الآيات (1-3).
3. سورة الحجر، الآيات (97-99).
4. سورة الإسراء، الآية (1).
5. سورة الإسراء، الآية (111).
6. سورة الكهف، الآية (1).
7. سورة الكهف، الآية (110).
تبدأ سورة طه بقوله تعالى:
{طه مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰٓ}
(1).
وتنتهي بقوله تعالى:
{ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِىِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ}
(2).
وتبدأ سورة الفرقان بقوله تعالى:
{تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِيَكُونَ لِلْعَٰلَمِينَ نَذِيرًا}
(3).
وتنتهي بقوله تعالى:
{قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًۢا}
(4).
وتبدأ سورة الشعراء بقوله تعالى:
{طسٓمٓ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَٰخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
(5).
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِى يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّٰجِدِينَ}
(6)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة القصص بقوله تعالى:
{طسٓمٓ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ}
(7).
______________________
1. سورة طه، الآيتان (1-2).
2. سورة طه، الآية (135).
3. سورة الفرقان، الآية (1).
4. سورة الفرقان، الآية (77).
5. سورة الشعراء، الآيات (1-3).
6. سورة الشعراء، الآيات (217-219).
7. سورة القصص، الآيات (1-3).
وتنتهي بقوله تعالى:
{إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍۢ ۚ }
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة السجدة بقوله تعالى:
{الٓمٓ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَٰهُ ۚ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ}
(2).
وتنتهي بقوله تعالى:
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ}
(3).
وتبدأ سور الأحزاب بقوله تعالى:
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ ۗ }
(4).
وفي آخر السورة قوله تعالى:
{يَسْـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ۖ }
(5)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة يس بقوله تعالى:
{يسٓ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ}
(6).
وتنتهي بقوله تعالى:
{قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِىٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}
(7)
إلى آخر الآيات في الموضوع.
وتبدأ سورة الشورى بقوله تعالى:
{حمٓ عٓسٓقٓ كَذَٰلِكَ يُوحِىٓ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}
(8).
______________________
1. سورة القصص، الآية (85).
2. سورة السجدة، الآيات (1-3).
3. سورة السجدة، الآية (30).
4. سورة الأحزاب، الآية (1).
5. سورة الأحزاب، الآية (63).
6. سورة يس، الآيات (1-3).
7. سورة يس، الآية (79).
8. سورة الشورى، الآيات (1-3)
وتنتهي بقوله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ }
(1)
إلى آخر الآيتين. قوله تعالى:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}
(2).
وتنتهي بقوله تعالى:
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ }
(3)
إلى آخر الآية.
أكتفي بهذه النماذج للدلالة على الفكرة المطروحة في موضوع أطر السور (4).
ولا بد من الإشارة أنه في كثير من السور يأتي الخطاب بعد عدد من الآيات في بدء السورة، ليكون الخطاب تقريراً لما جاء فيها أو تأكيداً لها.
وفي كثير من السور يأتي الحديث في بدئها عن القرآن الكريم، ثم يكون الخطاب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.
وخلاصة القول: إن هذا الأسلوب في عرض كثير من السور، مبتدأة بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم والحديث إليه أو عنه، ومختتمة بذلك لدليل على التكريم الذي أراده الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم.
______________________
1. سورة الشورى، الآية (52).
2. سورة الفتح، الآية (1).
3. سورة الفتح، الآية (29).
4. هذه الظاهرة – ظاهرة الأطر للسور الكريمة – لفتت نظري إليها تلاوة للقرآن الكريم منذ أكثر من عشرين عاماً، وكان ذلك يومئذ بقصد كتابة موضوع عن القرآن المكي ليأخذ مكانه في كتاب “من معين السيرة” وقد كنت أظن أن هذه الظاهرة خاصة بالقرآن المكي، ولكن تبين لي فيما بعد أنها كذلك في القرآن المدني. وهي ظاهرة تستحق الدراسة، ولعل الله تعالى ييسر من الوقت ما يتيح لي استكمالها، أو ييسر لها من يستكملها.