جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، وهم بطن من خزاعة.
كانت زوجة لمسافح بن صفوان المصطلقي، الذي قتل كافراً يوم المريسيع.
وسبب زواجها من الرسول ﷺ: أنه ﷺ بلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، فبعث ﷺ بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم أنه خبر ذلك، فسار إلى الحارث وكلمه وتظاهر له أنه سيكون معه هو وقومه. . ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره الخبر.
فما كان منه ﷺ إلا أن أسرع الخروج إليهم وداهمهم على ماء يقال له: المريسيع، فقتل وسبى ذراريهم وأسر رجالهم وفر من فر منهم.
ووقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس الأنصاري، فكاتبته على نفسها، وأتت رسول الله ﷺ تستعينه في كتابتها.
قَالَت عائشة: كانَتْ جويرة امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ.
فَقَالَتْ جُوَيْرِيَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي.
قَالَ ﷺ: (فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟).
قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: (أَقْضِي عنك كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ).
قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ.
وَتَسَامَع النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَد تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ السبي فَأَعتَقُوهُم، وَقَالوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَتْ عائشة: فَمَا رَأيِت امرأة كَانت أَعظم بَركَة عَلَى قَومها مِنها، أَعْتَقَ في سببها مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ (1).
وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر طويلاً، كيف تجرؤ امرأة أن تطلب من النبي ﷺ الذي بدأ والدها بقتاله، أن تأتي إليه وتطلب منه مساعدتها في أداء كتابتها، لولا أن أخبار رحمته وعطفه ورقته قد عمت أرجاء الجزيرة العربية، ولعل بعض الصحابة هو الذي دلها على هذا الطريق، فقد كانوا رضي الله عنهم محبين لفعل الخير.
وحبهم لفعل الخير هو الذي دفعهم لإطلاق ما بأيديهم تكريماً لرسول الله ﷺ ولأصهاره الجدد.
وأما موقف عائشة، فهو موقف رائع، فجزاها الله خيراً، ما أشد إنصافها، فهي تذكر فضائل ضراتها، وتذكر هنا فضل جويرية على قومها. .
وما هذا الموقف من عائشة بعجيب فهي الصديقة بنت الصديق.
وانتقلت جويرية إلى بيت النبوة، وعرفت الإسلام واقعاً عملياً، في شخص الرسول ﷺ، فأصبحت تسير على أثره. . ومن ذلك كثرة الذكر والدعاء والعبادة.
______________________
1. رواه أبو داود (3931)، وهو في “سيرة ابن هشام” (2/ 295).
فقد أخرج مسلم عن جويرية رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) (1).
وهكذا علمها النبي ﷺ جوامع الكلم من الذكر والدعاء.
توفيت جويرية سنة خمسين من الهجرة، وصلى عليها مروان بن الحكم، وكان يومئذ أميراً على المدينة.
وكانت معروفة بكثرة تسبيحها وذكرها لله تعالى.
رحمها الله تعالى ورضي عنها.
______________________
1. رواه مسلم (2726).