القائمة الرئيسية

أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبُ بِنت جَحْش رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، وأمها أميمة بنت عبدالمطلب عمة الرسول ﷺ.

دخلت زينب في الإسلام في وقت مبكر، واستشهد أخوها عبدالله في غزوة أحد.

وقد طلبها رسول الله ﷺ لتكون زوجة لمولاه زيد بن حارثة، فترفعت عليه لشرف نسبها، والدافع لرسول الله ﷺ إلى هذا الطلب – والله أعلم – أمران:

– محبته لزيد رضي الله عنه.

– ورغبته في إلغاء الفوارق الاجتماعية، فقد جاء الإسلام ليقول: 

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَٰكُمْ ۚ }

[الحجرات: 13].

وموقف الرفض من زينب يدعونا إلى الحديث عن زيد، من هو زيد؟

زيد بن الحارث بن شراحيل، من بني كلب، وأمه: سعدى بنت ثعلبة. وجاء في قصته: أن أمه خرجت به لتزور أهلها، فتعرضا لهجوم بعض الأعراب الذين اختطفوا زيداً من أمه. . وذلك قبل الإسلام، ثم جاؤوا إلى مكة وعرضوه للبيع عبداً رقيقاً، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد، وبعد زواجها من الرسول ﷺ قدمته هدية لزوجها.. فأحبه الرسول ﷺ وأكرمه. .

وكان أبوه يبحث عنه، فلما أخبر أنه بمكة، أسرع إليها مع عمه.. والتقيا بالرسول ﷺ وقالا له: يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله، تفكون العاني وتطعمون الأسير، وقد جئناك في ولدنا عندك فامنن علينا، وأحسن في فدائه.

فقال ﷺ: (وما ذاك؟)

قالوا: زيد بن حارثة.

قال: (أو غير ذلك، أدعوه فأخبره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء).

قال: قد زدتنا على النصف وأحسنت.

فدعاه فقال: (هل تعرف هؤلاء؟)

قال: نعم أبي وعمي.

قال ﷺ: (فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك، فاخترني أو أخترهما).

 فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني مكان أبي وعمي.

فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية؟ وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟

قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً.

فلما رأى رسول الله ﷺ ذلك، خرج إلى الحجر فقال: أشهدكم أن زيداً ابني أرثه ويرثني.

فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا.

 ودعي بعد ذلك زيد ابن محمد، حتى جاء الإسلام فنزل قوله تعالى: 

{ٱدْعُوهُمْ لِآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ }

[الأحزاب: 5] 

فدعي بعد ذلك: زيد بن حارثة (1).

 تلك هي قصة زيد، فهو عربي أصيل، ولكن سحابة الرق التي خيمت عليه فترة من زمن بقيت آثارها تلاحقه حتى بعد تحرره وادعاء النبي ﷺ له. .

فكان من الصعب أن تقبل زينب به زوجاً لها وهي القرشية. . ولكنها لما نزل قوله تعالى: 

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ }

[الأحزاب: 36] 

قالت: إذن لا أعصي رسول الله ﷺ.

وتم الزواج. . وكانت زينب امرأة فيها حدة، فكان زيد يشكو ذلك إلى رسول الله ﷺ. . ومضى على ذلك عام أو نحوه ورسول الله ﷺ يقول له: 

{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}

[الأحزاب: 37].

ولكن ذلك لم يصلح الحال لأن زيداً يجد المعاملة التي يجدها بقية الأزواج من زوجاتهن، وزينب لا تستطيع أداء تلك الحقوق، وانتهت القضية إلى الطلاق.

ولما انتهت عدتها أرسل الرسول ﷺ في خطبتها، ونزلت الآية الكريمة بقوله تعالى:

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَىٰهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا}

[الأحزاب: 37]. 

فقام ﷺ فدخل عليها بلا إذن ولا عقد ولا مهر.

______________________

1. انظر ترجمته في “الإصابة”.


فكانت زينب تفخر على أزواج النبي ﷺ تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات (1).

وأولم رسول الله ﷺ بمناسبة زواجه من زينب فأشبع الناس، قال أنس رضي الله عنه: ما رأيت النبي ﷺ أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها، أولم بشاة (2).

وقال في رواية: فأشبع الناس خبزاً ولحماً (3).

ويبدو أن هذه الوليمة تكررت أكثر من مرة، 

فقد قال أنس: لما تزوج رسول الله ﷺ من زينب، صَنَعَتْ أُمِّي – أُمُّ سُلَيْمٍ – حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ – وعاء – فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْ: لَهُ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَتَقُولُ إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا مِنَّا لَكَ قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
 فَقَالَ: (ضَعْهُ) ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ) فَسَمَّى رِجَالًا قَالَ فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ.
وسُئِل أنس: كَمْ كَانَ عَدَدُ المدعوين؟ فَقَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِ مِائَةٍ.
وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ) قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ) قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا قَالَ فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ أخرى. . حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ قَالَ فَقَالَ لِي: (يَا أَنَسُ ارْفَعْ) قَالَ فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ (4).

______________________

1. رواه البخاري (7420).

2. رواه البخاري (5168)، ومسلم (1428).

3. رواه البخاري (4794)، ومسلم (1428).

4. رواه مسلم (1428).


فهذه الوليمة كانت على طعام أم سليم، وهي غير الوليمة التي قال عنها أنس: إنها كانت على شاة.

قال أنس: وبعد انتهاء الوليمة خرج الناس، وجلس ناس منهم يتحدثون في بيت رسول الله ﷺ وهو جالس، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله ﷺ.

فخرج رسول الله فسلم على نسائه ثم رجع، فلما رأوا رسول الله ﷺ قد رجع، ظنوا أنهم قد ثقلوا على رسول الله ﷺ، فابتدروا الباب فخرجوا، وجاء رسول الله ﷺ حتى أرخى الستر ودخل.

فلم يلبت إلا قليلاً حتى أُنزلت هذه الآية فخرج وقرأها على الناس وهي قوله تعالى: 

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ ۖ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۢۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓا أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا}

[الأحزاب: 53] (1).

وهكذا نزلت الآية لتقرر أمرين:

– أدب الضيافة في بيوت النبي ﷺ.

– فرض الحجاب على النساء.

______________________

1. رواه مسلم (1428).


قَالَ أَنَسٍ رضي الله عنه: خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ (1).

وكان هذا الزواج في السنة الخامسة من الهجرة.

وتصف عائشة زينب فتقول: هي التي كانت تساميني المنزلة عند رسول الله ﷺ، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم وأعظم صدقة، وأشد ابتدالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى (2).

فقد عرف عنها أنها كانت تدبغ الجلود وتخرز الأحذية منها. . وتتصدق بذلك.

وجاء عند الحاكم بسنده: ما تركت زينب بنت جحش ديناراً ولا درهما، كانت تتصدق بكل ما قدرت عليه، وكانت مأوى المساكين.

وروى ابن سعد عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما أدخل عليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوباً، ثم قالت: أدخلي يدك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان، من أهل رحمها وأيتامها، ففرقته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب، فقالت لها برزة: غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حق، قالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهماً، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت. وفي رواية: اللهم لا يدركني هذا المال قابل فإنه قتنة (3).

______________________

1. رواه البخاري (5166).

2. رواه مسلم (2442).

3. “الفتح الرباني” للبنا (22/ 135).


وقالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ (1).

 توفيت زينب بالمدينة سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي أول أزواج النبي ﷺ موتاً بعده، رحمها الله تعالى ورضي عنها.

 ولا بد لنا بعد هذه الترجمة المختصرة للسيدة زينب من الوقوف عند روايات باطلة تناقلها بعض كتاب السيرة وبعض المفسرين عن غفلة منهم وعدم تمحيص، وجاء أعداء الإسلام فوجدوا فيها مرتعاً للنيل من رسول الله ﷺ.

 ملخص هذه الروايات: أن الرسول ﷺ، رأى زينب بنت جحش، زوجة زيد، فأحبها ووقعت في قلبه، فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعتها زينب، فأخبرت بها زيداً، فأراد أن يطلقها، فقال له الرسول ﷺ: 

(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) 

حتى نزل القرآن يعاتبه على إخفائه.

 وقد فسروا بهذه الروايات قوله تعالى:

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَىٰهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا}

[الأحزاب: 37].

قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية: ذكر ابن حاتم، وابن جرير، هاهنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها، فلا نوردها.

______________________

1. رواه البخاري (1420)، ومسلم (2452).


والموضوع: أن الله سبحانه وتعالى أعلم نبيه أن زينب ستكون زوجة له بعد أن دب الخلاف بينها وبين زيد.

فالعتاب للنبي ﷺ في قوله لزيد: 

(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) 

بعد أن أعلمه الله أنه سيطلقها وستكون زوجة له بعده.

وهذا ما يفسر قوله تعالى: 

{وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ} 

وهو ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته، وهذا هو الذي أخفاه.

قال علي بن الحسين زين العابدين والسدي: إن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال له: 

(اتقِ الله وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)

فقال [تعالى]: قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه (1).

 ومعنى {وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ} أي تخاف أن يقولوا: تزوج محمد حليلة ابنه.

 وكانت حكمته تعالى من هذا الزواج إبطال عادة التبني، وكل الأحكام المتعلقة بها، وهذا واضح كل الوضوح في التعليل القرآني الكريم 

{فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ }.

 فهل بعد هذا التعليل الوارد في النص القرآني من مقال؟!

 قال العلامة أبو بكر بن العربي: والآية صريحة في الرد على هذا البهتان، فأن الله سبحانه أخبر بأن سيُظهر ما أخفاه الرسول 

{وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ} 

فماذا أظهر الله تعالى؟ هل أظهر حب الرسول وعشقه لزينب؟ أم أن الذي أظهره هو أمره ﷺ بالزواج بها لحكمة عظيمة جليلة، هي إبطال حكم التبني الذي كان شائعاً في الجاهلية (2).

______________________

1. جاء هذا في “تفسير ابن كثير”.

2. كتاب “صفوة التفاسير” عند الآية الكريمة السابق ذكرها.



والقصة باطلة من أصلها، والذين حبكوا عقدتها فاتتهم أشياء كثيرة غفلوا عنها، فالقصة تقول: إن الرسول ﷺ جاء إلى بيت زيد فوقع نظره على زينب ولم يكن رآها. .

 ونتساءل:

– أليس الرسول ﷺ هو الذي خطبها على زيد، فما الذي كان يمنعه أن يخطبها لنفسه يومئذ لو كان له بها رغبة؟

 – ثم ألم يكن الرسول ﷺ على علم بجمالها؟ فهي ابنة عمته وقريبته.

– ثم إن الحجاب لم يكن مفروضاً أو معمولاً به، فمن المتفق عليه أن الحجاب نزل عقب زواج النبي ﷺ من زينب.

لقد فات واضعي القصة هذه القضية المهمة التي تنقض ما بنوا.

ومن المؤسف أن هذه المسألة لن تبق في حدود كتب التفسير والسيرة، بل أخذت مكانها أيضاً في كتب الخصائص وكتب الفقه، ولا مجال لمناقشة الموضوع من هذه الزاوية فقد سبق لي أن عرضته في كتاب “من معين الخصائص النبوية” بما فيه البيان الشافي (1).

ومن المسائل التي تناولها ﷺ بالحل في حجرتها، ما أخرجه مسلم، عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث قال:

اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبدالمطلب فقالا: والله، لو بعثنا هذهين الغلامين – قالا: لي وللفضل بن عباس – إلى رسول الله ﷺ فكلماه، فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس.

______________________

1. نشره المكتب الإسلامي، وجاء هذا الموضوع في الصفحات (137- 143).


قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا تَفْعَلَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ.
فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: عَلِيٌّ أَرْسِلُوهُمَا فَانْطَلَقَا وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ.
قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا ثُمَّ قَالَ أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ.
 قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ.
 قَالَ فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ.
قَالَ: وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ).
 ثُمَّ قَالَ:ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَجَاءَاهُ فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَنْكَحَهُ وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِي فَأَنْكَحَنِي.
وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: (أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا) (1).

______________________

1. رواه مسلم (1072).

مواضيع ذات صلة