قالوا: واختص ﷺ بأنه يباح له في طلاقه الزيادة على الثلاث (1).
قال ابن البلقيني (2)؛ والذي ظهر لي في مدرك ذلك: أن الطلاق في صدر الإسلام كان غير منحصر في الثلاث، ثم حصر في الثلاث لما قصد بعض الناس المضارة بذلك. فإن نظرنا إلى عموم اللفظ في قوله تعالى:
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ }
(3)
وقوله:
{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ}
(4)
حصرنا، وإن نظرنا إلى خصوص السبب: وهو قصد المضارة فلا حصر لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مبرؤون من قصد المضارة (5).
تلك هي القضية: وهي إنما حصر الطلاق بالثلاث حتى لا يكون حيف على المرأة، وبما أن الحيف لا يقع من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا حاجة لحصر الطلاق بالثلاث.
وإذا علمنا أن هذا الطلاق لم يقع من الرسول ﷺ أصلاً، تبين أنه لا حاجة للتفتيش عن الدليل، إذ لا دليل على الخصوص، والأصل أن الرسول ﷺ محكوم بالأحكام العامة مثله في ذلك مثل بقية المسلمين، ما لم يوجد دليل التخصيص.
ومعظم الفقهاء لم يقولوا بالخصوصية في هذه المسألة.
______________________
1. قال بذلك أبو ثور والمزني وأبو بكر الدقاق من فقهاء الشافعية (مرشد المحتار ص 278).
2. هو عبدالرحمن بن عمر، من علماء الحديث بمصر، انتهت إليه الفتوى، توفي بالقاهرة سنة (824 هـ).
3. سورة البقرة، الآية (229).
4. سورة البقرة، الآية (230).
5. مرشد المحتار ص 277 – 278.
وبناء على ذلك قال الماوردي (1): وإذا قلنا ينحصر طلاقه، فلو طلق طلقة واحدة ثلاثاً، هل تحل له من غير أن تنكح غيره؟ فيه وجهان: أحدهما نعم، لما خص به من تحريم نسائه على غيره، والثاني لا تحل له أبداً لما فيه من التغليظ في أسباب التحريم (2).
فانظر إلى هذا التفريع على مسألة أصلها غير موجود.
ألا يعد ذلك من عبث القول وضياع الوقت في بحث مساء يستحيل وقوعها؟ بلى.
والحقيقة أن النصوص العامة في الشريعة يدخل فيها الرسول ﷺ، فهو القدوة والأسوة للمسلمين، وهو أول من يطبق أحكام الله تعالى.
______________________
1. هو علي بن محمد، أبو الحسن الماوردي، أقضى قضاة عصره، له تصانيف نافعة، توفي ببغداد سنة (450هـ).
2. مرشد المحتار ص 278.