الوصال في الصوم من خصائصه ﷺ.
والوصال: هو ترك تناول المفطرات في ليال الصيام قصداً.
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
(لَا تُوَاصِلُوا) قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: (لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى أَوْ إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى)
(1).
وفي رواية قال:
وَاصَلَ النَّبِيُّ ﷺ آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: (لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ)
(2).
وفي رواية : فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
(مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَادَّ لِي الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ)
(3).
2- وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ (لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَ)
(4).
______________________
1. أخرجه البخاري برقم (1961).
2. متفق عليه (خ 7241، م 1104).
3. أخرجه مسلم برقم (1104).
4. متفق عليه (خ 1922، م 1102).
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله ﷺ عن الوصال رحمة لهم، فقالوا:
إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: (إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ)
(1).
4- وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ) فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ (لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ) كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا
(2).
وفي رواية قال:
(إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ)
مرتين قبل..
5- عن سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:
(لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ)
(3).
6- وقد أخرج أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح، إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة، فمنعنى بشير وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا وقال: (يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى، أتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا) (4).
هذه النصوص وغيرها تثبت خصوصيته ﷺ بذلك.
قال القضاعي: دون غيره من الأنبياء (5).
______________________
1. متفق عليه (خ 1964، م 1105).
2. متفق عليه (خ 1965، م 1103).
3. أخرجه البخاري برقم (1963).
4. فتح الباري 4/ 202.
5. بداية السول ص 156.
قال الإمام ابن حجر: “واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه ﷺ، وعلى أن غيره ممنوع منه، إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر” (1).
والأدلة على ما قاله ابن حجر واضحة كل الوضوح في الأحاديث السابقة من قوله ﷺ:
(لَا تُوَاصِلُوا).
( لَسْتُ كَأحدٍ مِنْكُمْ).
(إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ).
(مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ).
(إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ).
ثم بعد كل ذلك رخص لمن أراد ذلك بالوصال إلى السحر. فكان السحر هو آخر وقت يسمح بالمواصلة إليه.
“وذهب الأكثرون إلى تحريم الوصال، ونص الشافعي في الأم على أنه محظور، وصرح ابن حزم بتحريمه” (2).
وقد نقل عن بعض السلف، أنهم كانوا يواصلون، ويبدو أنه لم تصلهم هذه الأحاديث الصحيحة، أو أنهم اجتهدوا فأخطأوا.
وأما إلحاح الصحابة على المواصلة، فمرجع ذلك إلى حبهم العظيم للنبي ﷺ والرغبة في التأسي به في كل كبيرة وصغيرة، وربما لم يعلموا خصوصيته في ذلك في بدء الأمر، مما اضطره ﷺ إلى إيضاح ذلك بعبارات لا لبس فيها.
______________________
1. فتح الباري 4/ 204.
2. فتح الباري 4/ 204.
وربما كان ترخيصه لهم بالوصال إلى السحر، إنما كان ليتيح لهم بعض المشاركة في هذه المسألة، من الوصال الجزئي، الأمر الذي يشعرهم بكمال التأسي به ﷺ، الأمر الذي يدخل الفرح والطمأنينة على نفوسهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.