من أدلة صدق النبي ﷺ إقرار الله لدعوته، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أن محمداً ﷺ لو تقول على ربه شيئاً من الأقاويل لأهلكه
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَٰجِزِينَ}
[الحاقة: 44- 47]
الواقع أنه حفظه وأيده، وقال سبحانه:
{قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍۢ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ}
[طه: 61]
وقال سبحانه وتعالى:
{قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
[يونس: 69]
وقال سبحانه وتعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَٰذِبٌ كَفَّارٌ}
[الزمر: 3]
ولكن النبي ﷺ ما خاب بل هدي وأفلح في كل المجالات، ودينه أعظم الأديان في الأرض وأكثرها انتشاراً.
“وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمداً ﷺ قد شتمتم الله أعظم شتيمة، فعجب من ذلك وقال: مثلك يقول هذا الكلام؟ فقلت له: اسمع الآن تقريره؛ إذا قلتم: إن محمداً ملك ظالم، قهر الناس بسيفه، وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثاً وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول: أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا، وأوحى إلي كذا، ولم يكن من ذلك شيء، ويقول: إنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم، وغنيمة أموالهم، وقتل رجالهم، ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم، ونسخ شرائعهم؛ فلا يخلوا إما أن تقولوا: إن الله سبحانه وتعالى كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا: إنه خفي عنه ولم يعلم به، فإن قلتم: لم يعلم به.
نسبتموه إلى أقبح الجهل، وكان من علم ذلك أعلم منه، وإن قلتم: بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه. فلا يخلو إما أن يكون قادراً على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا، فإن لم يكن قادراً فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية، وإن كان قادراً وهو مع ذلك يعزه وينصره، ويؤيده ويعليه ويعلي كلمته، ويجيب دعاءه، ويمكنه من أعدائه، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له، فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء، فضلاً عن رب الأرض والسماء، فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه، وهذه عندكم شهادة زور وكذب؟! فلما سمع ذلك قال: معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق، من اتبعه أفلح وسعد. قلت: فما لك لا تدخل في دينه؟ قال: إنما بعث إلى الأميين لا كتاب لهم، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه، قلت له: غلبت كل الغلب؛ فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر إنه رسول الله إلى جميع الخلق، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به، فأمسك ولم يحر جواباً” (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن قيم الجوزية (ص 87)، نشر الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.
ومثال هذا “لو أن حاجب الأمير قال للناس: إن الأمير قد أمركم بفعل كذا وكذا. فإن الناس يعلمون أنه لا يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته، فكيف إذا كان بحضرته” (1) وبعلمه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 483)، تحقيق: د. علي بن ناصر وآخرين، الرياض، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1414هـ.