وتقرير أننا لو سألنا اليهود: كيف آمنتم برسولكم موسى عليه السلام؟
فإن قالوا: بسبب معجزاته، أو أخلاقه، أو تشريعه، أو تأييد الله له ونصرته، أو استجابة دعائه، أو عدم رغبته في المصلحة الذاتية، أو غير ذلك من الأدلة.
قلنا: كل ما ذكرتموه هو موجود في النبي ﷺ.
وكذلك النصارى نسألهم: هل هم يؤمنون بنبوة موسى (1) عليه السلام؟
فإن الجواب سيكون: نعم. قلنا: كيف استدللتم على نبوته؟ فإن قالوا: لأنه قد ذكره لنا عيسى.
قلنا: هل هناك دليل آخر؟
إن قالوا: لا يوجد دليل آخر على نبوة موسى عليه السلام، قلنا: إذن أنتم صححتم مذهب من كفر بموسى عليه السلام من قومه؛ حيث إن موسى عليه السلام لم يأت بدليل على رسالته، ولم ينزل عيسى عليه في ذلك الوقت، وأثبتم لمن آمن به أنه آمن بغير بينه ولا علم ولا دليل، وأن رساله موسى علقت عن التصحيح قروناً متطاولة حتى بعث الله عيسى عليه السلام.
فإن قالوا: نعم، هناك أدلة أخرى على رسالة موسى عليه السلام.
قلنا: كل دليل استدللتم به على نبوة موسى عليه السلام هو موجود في محمد ﷺ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. ولم نقل عيسى عليه السلام؛ لأنهم يرونه إلهاً لا رسولاً.
وبعد هذا فلا حجة لرجل لا يؤمن بالنبي ﷺ، ولكن صدق الله إذ يقول:
{وَتَرَىٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}
[الأعراف: 198]
يعني: ينظرون إلى النبي ﷺ ودلائل صدقه، ثم لا يبصرون كأنهم عميان (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. وهذا أحد معاني الآية، وقال بعض المفسرين أن المقصود بالآية هم الأصنام، فهي كأنها تنظر ولكنها لا تبصر، وبعضهم قال: إن المقصود بالآية هم المشركون – كما روي عن مجاهد وغيره – أي: وإن كانوا ينظرون إليك يا محمد ولكنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية.
انظر: “محاسن التأويل”، للقاسمي (3/ 863)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.