القائمة الرئيسية

التربية الذاتية للنفس

التخلص من رواسب الجاهلية:

قلنا إن العقيدة هي قوام هذه التربية، ومنذ البدء، ومع النطق بشهادة الحق يصبح التلقي في أمور الحياة كلها – لكل مسلم – عن الرسول الذي شهد له بأنه المبلغ عن الله تعالى.

وينتج عن هذا موقف آخر، هو الحذر من كل ما هو مرتبط بالحياة الجاهلية السابقة. .

وكان لا بد من التخلص من كل الرواسب الجاهلية باعتبارها نتاجاً منبثقاً من الفكر الجاهلي، وبما أن الإسلام دين واقعي فإنه أتاح الوقت الكافي للوصول إلى النظافة المطلوبة. . وكان ذلك طول المرحلة المكية.

لم يكن من الممكن شطب الجاهلية من حياة الناس بجرة قلم، وإن واقعاً اجتماعياً يدين له الناس بكل ما فيه يحتاج إلى الهدوء والأناة لاقتلاع جذوره من داخل النفوس.

ولقد كان من حكمة المنهج في خطته للتخلص من تلك الرواسب أنه سلك للقضاء عليها مسلكين: الأول ويقوم على بيان الخطأ والانحراف فيها. وضرورة الابتعاد عنها، والثاني: هو أن الأوامر الجديدة التي جاءت لتقرر المنهج الأخلاقي في حياة المسلم. كانت تقوم بدورها تلقائياً. . فكل خلق إسلامي، كان يلغي راسبة جاهلية ليقوم مقامها.

ونحن لا نريد أن نقوم إن مكة – وهي مركز الدعوة الأول وبلغتها نزل القرآن – كانت مقراً للسوء. . فذلك أمر يتعارض مع الواقع، فما كان اختيارها مركزاً للدعوة عن عبث، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فهي من حيث الوضع الاجتماعي ونظام السيادة فيها. . لعلها المكان الوحيد الذي كان يسمح بنشوء دعوة كدعوة الإسلام (1).

ولكننا نلفت النظر باختصار شديد إلى بعض معالم الواقع الاجتماعي الذي أخذ أبعاده يومئذ في نفوس القوم، ومن ذلك:

– سيطرة الفكر الوثني على العقيدة.

– سيطرة النظام القبلي على الحياة الاجتماعية، وشيخ القبيلة عادة هو أكبر الأفراد سناً إذا توفرت فيه الشروط الأخرى وأهمها كثرة المال. .

ولذلك فالرياسة لا تكون إلا للأغنياء، وقد سجل القرآن ذلك حين اعترض الكافرون على نزول القرآن على الرسول الكريم فقال:

 

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (2).

“يقصدون بالقريتين مكة والطائف، ولقد كان رسول الله ﷺ من ذؤابة قريش، ثم من ذؤابة بني هاشم، وهو في العلية من العرب، كما كان شخصه ﷺ معروفاً يسمو الخلق في بيئته قبل بعثته، ولكنه لم يكن زعيم قبيلة، ولا رئيس عشيرة في بيئة تعتز بمثل هذه القيم القبلية” (3).

____________________

 

1. انظر تفصيل هذا البحث في “في ظلال القرآن” 5/ 3142 – 3144.

2. سورة الزخرف: الآية 31.

3. في ظلال القرآن 5/ 3186.


 

وإن تتمة الآيات الكريمة بعد الآية السابقة تبين بوضوح أن العامل الأول هو الثراء المادي (1).

– والفرد مرتبط ارتباطاً كاملاً بقبيلته. . في الخير والشر.

– وكانت مكة وادياً غير ذي زرع، ولذلك نمت التجارة فيها. وهي بدورها تقوم على رأس المال. . وهكذا وبالمعاملات التجارية للقوم شعروا بأن المال هو مصدر الربح، ولهذا انتشر الربا بينهم، واستغل القوي الضعيف، والغني الفقير. .

وحينما ينتشر النظام الربوي تنحسر الأخلاق الفاضلة، من مساعدة للمحتاج وعمل خير يسعف الضعفاء. . لأن انتشار هذه القيم يفسد السوق الربوية. . ولهذا قهر اليتيم ونهر السائل وحرم المسكين. .

– وكان لمجالس اللهو والشراب والقمار رواد كثر، حيث القيان وإثارة الشهوات. . والزنا. .

– وكانت المرأة سيئة الحال في وضعها العام تنطلق حياتها من استقبال سيئ، ذكره القرآن الكريم بقوله: 

 

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. .} (2)

ثم هي بعد ذلك لا نصيب لها في الميراث لأنها لا تقاتل. . والطلاق بيد الرجل دونما فيد من عدد.

– واليتامى قلما ترعى حقوقهم. .

هذا بعض ما كان قائماً لا ينكره أحد. . وكان التغيير من خلال النفوس التي آمنت، وبتغييرها أولاً ثم التغيير بها ثانياً. .

____________________

1. قال تعالى بعد الآية المذكورة: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ } [الزخرف: 32].

2. سورة النحل: الآية 58.


ومن المعلوم أن مكة لم تكن مكاناً لنزول آيات التشريع، وإنما عالج القرآن فيها أمر العقيدة، ومع ذلك فقد تناول كل هذه القضايا إما بالقضاء عليها وابتعاد المؤمنين عنها وإما بالتمهيد لتحريمها في المستقبل. .

ونذكر مرة أخرى باختصار شديد معالجة القرآن المكي تلك المظاهر الجاهلية واجتثائها من نفوس المؤمنين!

– قامت عقيدة التوحيد لتقضي على الوثنية في النفوس قضاء مبرماً، ولشد ما عني القرآن المكي بذلك. .

– أصبح الولاء لله ورسوله وقد عنيت الآيات الكريمة ببيان ذلك.

– وأصبح ارتباط الفرد بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

– ووجه القرآن إلى أداء الواجب تجاه الفقراء. ومن ذلك الابتعاد عن الربا:

 

{فَـَٔاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ۖ وَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ  وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَا فِىٓ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَوٰةٍۢ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ} (1)

ثم كانت معالجة بقية الجوانب وغيرها عن طريق الآيات التي تناولت الجانب الأخلاقي مما سنعرض لبعضه بعد قليل.

____________________

 

1. سورة الروم: الآيتان 38 -39.


 

المنهج الخلقي:

إن هذا الدين وحدة متماسكة، لا يمكن فصل الحكم الأخلاقي فيه الحكم الشرعي، ولا ينفصل فيه الحكم الاقتصادي عن الحكم الاجتماعي. . ولكنا ونحن نتحدث عن مرحلية التربية في بناء الجيل الأول نلمح أن الأحكام التي تناولها القرآن المكي يغلب عليها الطابع الأخلاقي وبتعبير آخر لم تكن الدعوة إليها عن طريق الأمر وإنما عن طريق التوجيه، وتلك سمة مميزة للحكم الأخلاقي.

نستطيع القول بعد هذه المقدمة الوجيزة: بأن المنهج الأخلاقي قد استكمل بناءه في نفوس المسلمين في المرحلة المكية، ولئن كان القرآن لم يتناول كل الجزئيات بالبحث فقد أكد على الأسس والأركان، وألح عليها أساليب متعددة.

ويحسن بنا أن نستعرض بعض الآيات المكية في هذا الصدد:

ركز القرآن الكريم على الأمور الكلية، فحض على الخطوط العامة للفضيلة وليس من باب المصادفات أن تنزل سورة العصر في وقت مبكر، هذه السورة القصيرة التي نصت على تحقق الخسارة لجنس الإنسان كله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. .

 

{وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِٱلصَّبْرِ} (1)

والعمل الصالح عنوان عام يعرفه الناس بفطرتهم، فهذه خديجة رضي الله عنها عندما قص عليها ﷺ حديثه في نزول الوحي قالت: “كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. .” (2) وهذا هو العمل الصالح الذي تحض عليه السورة . .

وقد تكرر هذا الحث على الإيمان والعمل الصالح خلال المرحلة المكية كلها بل والمدنية أيضاًً، ذلك أنه هو الخط العام في البناء الأخلاقي.

____________________

 

1. سورة العصر.

2. حديث بدء الوحي في صحيح البخاري. رقم (3).


كما ألح القرآن أيضاً على تزكية النفس وطهارتها. . وذلك هو الخط الموازي للعمل الصالح، الذي هو العمل الإيجابي، بينما التزكية عمل تطهير وتنظيف من الدنس. قال تعالى:

 

{وَنَفْسٍۢ وَمَا سَوَّٰهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَٰهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّٰهَا} (1)

 

{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ. .} (2)

 

{جَنَّٰتُ عَدْنٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ} (3)

 

{وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِۦ ۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ} (4)

والتزكية إنما تكون بترك الإثم ظاهره وباطنه، ذلك أن الإسلام يقوم على الصدق الكامل الذي يطابق فيه القول العمل، ويطابقان – في الوقت نفسه – النية والضمير. . ولهذا يأتي التأكيد على ترك الإثم من الجانبين حتى يتساوق السلوك الخلقي بعضه مع بعض من كل جوانبه. قال تعالى:

{وَذَرُوا ظَٰهِرَ ٱلْإِثْمِ وَبَاطِنَهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (5)

____________________

 

1. سورة الشمس: الآيات 7- 10.

2. سورة الأعلى: الآية 14.

3. سورة طه: الآية 76.

4. سورة فاطر: الآية 18.

5. سورة الأنعام: الآية 120.


وإذا ما انتقلنا إلى التفصيل وجدنا أنفسنا أمام آيات وآيات ونكتفي بإيراد بعضها دون تصنيف من حيث الموضوع، لأن غايتنا – هنا – بيان التركيز في القرآن المكي على البناء الخلقي، قال تعالى:

 

{قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ} (1).

 

{إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمْ} (2).

{يَٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍۢ فَخُورٍۢ وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلْأَصْوَٰتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ} (3).

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ} (4).

 

ويؤكد القرآن المكي على بر الوالدين ومعاملتهما المعاملة الحسنة، وقد ورد ذلك في ثلاث سور: الإسراء العنكبوت ولقمان (5).

____________________

 

1. سورة المؤمنون: الآيات 1-8.

2. سورة النحل: الآيتان 90- 91.

3. سورة لقمان: الآيات 17- 19.

4. سورة الليل: الآيات 5- 10.

5. الآية 24 من سورة الإسراء، والآية 8 من سورة العنكبوت، والآية 14 من سورة لقمان.


وتتحدث سورة الفرقان عن عباد الرحمن فتقول:

 

{وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَٰهِلُونَ قَالُوا سَلَٰمًا}.

 

{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامً وَٱلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}.

 

{وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِٱللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (1).

 

وفي ميدان المحظورات يلفت القرآن المكي النظر إلى جوانب كثيرة نذكر منها قوله تعالى:

 

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ} (2).

 

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوٓا أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٍۢ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ ۖ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (3).

 

{وَلَا تَقْرَبُوا ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا} (4).

 

 

____________________

 

1. سورة الفرقان: الآيات 63، 67- 68، 72.

2. سورة الأعراف: الآية 33.

3. سورة الأنعام: الآيتان 151 – 152.

4. سورة الإسراء: الآية 32.


 

{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ} (1).

وهكذا سارت هذه التربية مزيلة آثار الجاهلية بانية معالم الحق والخير في النفس المسلمة. سارت هادئة راضية، يندفع المؤمنون عن رغبة وطواعية لتطبيق التوجيهات القرآنية التي تتابع نزول الوحي بها. .

إن المؤمن يومئذ كان حريصاً كل الحرص على المسارعة تنفيذ تلك التوجيهات الإلهية رغبة وحباً، يدفعه إلى ذلك إيمانه، ولذا لم يكن بحاجة إلى لغة التهديد والوعيد في حال عدم التنفيذ، تلك اللغة التي نراها واضحة في حديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل.

وإذا تدبرنا الآيات التي سبق ذكرها نلمح فيها جميعاً تلك الظاهرة الواضحة التي تبدو من خلالها روح الحنان والعطف والتوجيه الندي. . حتى إن فعل “الأمر” يؤتي به بالأسلوب الذي يذهب منه قسوة الأمر ويحوله إلى توجيه حبيب إلى النفس. .

انظر معي كيف كانت التوجيهات تلقى إلى القوم: 

 

{قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ. .} (2). 

 {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ. .} (3). 

 {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ. .} (4). 

 {وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًا. .} (5). 

 {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ. .} (6).

 

____________________

 

1. سورة الماعون: الآيات 4- 7.

2. سورة المؤمنون: الآية 1.

3. سورة الأعلى: الآية 14.

4. سورة النحل: الآية 90.

5. سورة الفرقان: الآية 63.

6. سورة الأعراف: الآية 33.


 

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ. .} (1).

وهكذا عدل الأسلوب القرآني في غالب الأحيان من أسلوب الإنشاء إلى أسلوب الإخبار ليكون ذلك أدعى للتقبل، فالمخاطب متجاوب ومنفذ وراغب. .

____________________

1. سورة الأنعام: الآية 151.

مواضيع ذات صلة