×

التربية في المرحلة الثانية

نحن في صدد الحديث عن هذه المرحلة لن نتحدث عن نظريات، وإنما سيكون حديثنا من خلال الوقائع، نحاول تسجيل الخطوط العريضة التي سجلتها الأحداث فيها. وسنتناول البحث من ثلاثة جوانب:

– التربية الجهادية.

– التربية الأخلاقية.

– التربية الاقتصادية.

التربية الجهادية

تعد هذه الفترة فترة غنية بالوقائع الجهادية، ويكفي لبيان كثافة الحركة الجهادية فيها أن نقول: إن عدد الغزوات التي قادها النبي ﷺ بنفسه فيها هو سبع عشرة غزوة، وعدد السرايا والبعوث هو أربع وعشرون سرية، كل هذا خلال مدة لا تزيد عن أربع سنوات وشهر واحد.

وقد كانت الآيات تنزل لتوجه وتسدد الخطوات الجهادية في مسارها الصحيح وقد حملت معها كل ما ينبغي أن يتحلى به المجاهدون من سلوكيات.

وسأحاول في عرض هذا الموضوع الاختصار قدر الإمكان والإشارة إلى النقاط المهمة حتى لا يخرج البحث عن حدوده المقدرة له. . وسيكون هذا العرض متمشياً مع التتابع التاريخي للوقائع.

ومما يلاحظ أن المعارك التي جرت في هذه الفترة كانت بمبادرات خارجية فوجئ المسلمون بها، كان ذلك واضحاً في بدر، وفي أحد والأحزاب فقد جاء أعداء الله للقضاء على الإسلام في عقر داره، فهزمهم الله تعالى.

إخلاص وتجانس:

وقبل أن نباشر حديثنا عن التربية المستقاة من التوجيهات القرآنية الكريمة التي نزلت تعقيباً على الغزوات، لا بد من كلمة موجزة عن الجهاد:

عرف العرب القتال دفاعاً عن القبيلة، أو انتصاراً لها، بدافع العصبية، بعيداً عن موازين الحق والعدل والقيم الفاضلة.

وكان الاحتكام إلى السلاح أمراً يحدث لأتفه الأسباب. .

وجاء الإسلام . . وجاء بمشروعية القتال، ولكنه قتال في سبيل الله تعالى، غايته أن تكون كلمة الله هي العليا.

وبهذا يختلف مفهوم القتال في الإسلام عنه في الجاهلية اختلافاً كلياً. في الأسباب وفي الغايات. .

أصبح القتال عملاً عبادياً، يتقرب به إلى الله تعالى، ولهذا فهو يحتاج إلى النية الصالحة ككل العبادات من الصلاة وغيرها. .

وأن تكون هذه النية خالصة من كل الشوائب. .

إن غاية القتال في سبيل الله، هي أن تكون كلمة الله هي العليا، وبمعنى آخر: نشر الإسلام وتبليغ الدعوة إلى كل الناس حتى يتاح لهم معرفة الحق والدينونة به أو الدينونة له. . وعندها تكون كلمة الله هي العليا لأنها تحكم حياة الناس.

ولهذا المعنى السامي كان الموت في سبيل الله شهادة، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

ولما كان هذا المفهوم عن القتال مفهوماً جديداً يطرحه الإسلام، جاء بعضهم يسأل: كيف يكون الجهاد في سبيل الله؟

قال أبو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

 

جَاءَ أعرابي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ ﷺ: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”

(1).

 

وفي رواية:

سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (2).

وهكذا يستوعب هذان النصان كل الأغراض التي كان يقاتل الناس من أجلها، وهي الرغبة في الغنيمة، والرغبة في أن يذكر الرجل بشجاعته وبطولته، وقد تستثيره الحمية لقومه وعصبته. . فأي ذلك في سبيل الله؟ 

لا شيء منها في سبيل الله، ذلك أن الباعث على القتال قد تغير. فهناك نوع واحد في سبيل الله. . أن تكون المشاركة فيه لتكون كلمة الله هي العليا.

_______________________

 

1. رواه البخاري برقم 2810 ومسلم برقم 1904.

2. رواه البخاري برقم 123 ومسلم برقم 150 من كتاب الإمارة.


ولهذا كان ﷺ يذكرهم الله تعالى قبل بدء المعركة، وأن تكون قلوبهم متجهة إليه، خالصة النية، لا تشوبها شائبة. وبهذا أضحت الحياة تبذل في سبيل أمر غالٍ عزيز المنال، هو رضوان الله تعالى، وليس في سبيل عرض من الدنيا، أو كلمة ثناء يتداولها الناس. . أو أمر عصبية قد أبطلها الإسلام.

وكما يطلب الإسلام أن تكون النية في القتال خالصة لوجه الله تعالى. . فإنه كذلك يطلب أن يكون المقاتلون تحت راية الإسلام خالصة لله، من المسلمين، لا يشاركهم في ذلك غيرهم. فكما أن خلوص النية في الفرد أمر ضروري، فكذلك خلوص الجيش في أفراده بأن يكونوا من المسلمين وحدهم أمر ضروري. وهذه هي طريقة الإسلام في تناسق أنظمته على كل المستويات.

فقد جاء في صحيح مسلم:

 

“خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ”

(1).

 

وفي مسند الإمام أحمد خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (2) قَالَ:

 

أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ فَقُلْنَا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ قَالَ: “أَوَ أَسْلَمْتُمَا؟” قُلْنَا لَا قَالَ: “فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ”

(3).

 

_______________________

 

1. رواه مسلم برقم 1817.

2. هو خبيب بن إساف، من الأوس. انظر الفتح الرباني في ترتيب المسند 14/ 41.

3. المسند 3/ 454.


وهكذا تأتي النصوص صريحة بعدم قبوله ﷺ في جيش المسلمين لأي فرد غير مسلم، ذلك أن اختلاف الأهداف والغايات في الجماعة يفسد اجتماعها ويبطل عملها، وكما ذكرنا فالجهاد في الإسلام يختلف عن كل قتال آخر. وهكذا دخل المسلمون كل معاركهم متوكلين على الله دون اعتماد على مساعدة أحد من غير المسلمين.

وبعد هاتين الملاحظتين حول التخلص من الشوائب في النية وفي الجيش نعود إلى الفوائد التربوية المستفادة من الغزوات في هذه المرحلة:

درس بدر:

من المتفق عليه أن سورة الأنفال كلها نزلت في بدر. ونلفت النظر إلى بعض ما ورد فيها:

– هناك خط عام في السورة يؤكد أن وقوع المعركة والفوز فيها إنما كان بفعل الله تعالى.

 

{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ}

الآية: 5

{وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَٰفِرِينَ}

الآية: 7.

 

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ. .}

الآية: 11.

 

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ۚ }

الآية: 17.

 

وهكذا فكل ما حدث بأمر الله، وهذا يعني أن على المؤمنين أن يطامنوا من كبريائهم، ويتجهوا بالشكر والثناء على الله تعالى، وخاصة أنهم لم يكونوا راغبين بالقتال. .

– على المؤمنين أن يوطنوا أنفسهم على استمرار عملية الجهاد، ذلك أنه لا بد من القضاء على الفتنة. . ولا بد أن يكون الخضوع في كل الأرض لله.

 

{وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ }

الآية: 39.

 

– تؤكد الآيات على المؤمنين أن يثبتوا في المعارك فالفرار ذنب عظيم

 

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلْأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍۢ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ}

الآية: 15- 16.

 

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا وَٱذْكُرُوا ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

الآية: 45.

 

– كما تؤكد على التعاون وعدم الاختلاف.

 

{وَأَطِيعُوا ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ}

الآية: 46.

 

– وتحذرهم من البطر والتكبر والرياء:

 

{وَلَا تَكُونُوا كَٱلَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَٰرِهِم بَطَرًا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ. . .}

الآية: 47.

 

– وإذا كان القتال سوف يستمر فلا بد من الإعداد. . والإنفاق في سبيل ذلك

 

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}

الآية: 60.

 

هذه التوجيهات أشياء أساسية في مفهوم الجهاد الإسلامي. وقد احتوت السورة قضايا أخرى كثيرة ترتبط بالموضوع ولهذه المعاني سميت هذه السورة “سورة الجهاد” وأصبحت النشيد الذي يردده المسلمون قبل معاركهم.

وهكذا فالجهاد يحتاج إلى: توكل على الله، وإعداد للقوة، وثبات في مواطن القتال، وابتعاد عن الرياء، وابتعاد عن الاختلاف. .

تلك المعاني كان على المؤمنين أن يوطنوا أنفسهم عليها. .

درس أحد:

وجاءت غزوة أحد وعقبها غزوة حمراء الأسد، وقد فصل القرآن الكريم أحداثهما في آيات طويلة من سورة آل عمران.

ولعل من أهم دروس التربية في هذه المعركة أن مخالفة الأوامر والاختلاف يؤديان إلى الفشل، وقد كان هذا الدرس عملياً في واقع الحياة كلفهم الأنفس والجراح. .

قال تعالى:

 

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْأَخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ}

الآية: 152.

 

وقال تعالى:

{َوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}

الآية: 165

على أن الذين يستشهدون في المعارك في سبيل الله فإنما ذلك إكرام من الله لهم وهم ينتقلون إلى حياة أخرى.

قال تعالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

الآيتان: 169 – 170

وهنا تتغير المفاهيم تغيراً كاملاً تجاه الحرص على الحياة، ويصبح الموت في ساحة المعركة أمنية يسعى إليها المؤمن.

ولقد كان من نتائج أحد أن ظهر المنافقون على حقيقتهم وسجلت الآيات هذه الحقيقة فقال تعالى:

{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ۗ . .}

الآية: 179.

 

وتذكرهم الآيات بالصبر الذي تدربوا عليه طويلاً، والصبر لا يعرف أصحابه إلا في وقت الشدة. وتذكرهم الآيات بخروجهم إلى المعركة وهم يتمنون الموت فما بالهم عندما حضر تغيرت مواقفهم. قال تعالى:

 

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}

الآيتان” 142 – 143.

 

ولهذا المعنى وجههم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن يقلوا من الكلام في هذه المواطن، وأن يحولوا الكلام إلى عمل، فقال: ” أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ” (1).

درس الخندق:

عالجت آيات من سورة الأحزاب ما حدث في غزوة الخندق، وقد بينت الآيات الظروف القاسية التي أحاطت بالمؤمنين الصادقين، ثم تحدثت عن المنافقين وموقفهم السيئ الذي تمثل بتثبيط همم بعضهم عن المشاركة في القتال، كما تمثل في التشكيك بقدرة المؤمنين، وكذلك بانتحال الأعذار لعدم المشاركة في القتال.

_______________________

1. رواه البخاري برقم 2966.


وتضمنت الآيات حض المؤمنين على التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ثيابه ووقوفه في وجه أعداء الله، ثم أثنت على المؤمنين بصدق إيمانهم، وهذه شهادة من الله عظيمة.

قال تعالى:

 

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَٰهَدُوا ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

الآيات: 21- 23.

ثم أشارت الآيات بعد ذلك إلى ما لقيه بنو قريظة عقوبة على خيانتهم.

وهكذا يكون الدرس الأول في هذه الغزوة هو التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في مواقفه الجهادية بل وفي كل شأن من شؤونه صلى الله عليه وسلم.

تلك كانت جولة مع الآيات القرآنية التي نزلت بصدد الغزوات الكبرى في هذه المرحلة، والآيات الأخرى المتعلقة بالجهاد كثيرة، ومن آثار هذه الآيات الكريمة في نفوس المؤمنين كانت تلك الانطلاقة العظيمة التي تطاول فيها الصغار على رؤوس أصابعهم كي يقبلوا في الجيش. . وكان من آثارها اشتراك الفتية من أمثال عبدالله بن عمر في غزوة الخندق في أول بلوغهم.

والملاحظ في كل هذه الغزوات أن عدد وعدة الكافرين دائماً كانت أكبر، وأن أوضاع المسلمين الاقتصادية لم تكن على ما يرام، بل إنها في غزوة الخندق، وهي أضخم هذه الغزوات من حيث عدد الكافرين، كانت في غاية من السوء، من حيث قلة الطعام وقلة اللباس وقلة السلاح.

وإذن ما هو الشيء الذي تفوق به المسلمون حتى استطاعوا كسب النصر؟

يقول سيد قطب رحمه الله في الجواب على ذلك: كان التفوق الحقيقي للمجتمع المسلم على المجتمعات الجاهلية من حوله. . هو تفوقه في البناء الروحي والخلقي والاجتماعي والتنظيمي. . قبل أن يكون تفوقاً عسكرياً أو اقتصادياً أو مادياً على العموم. . بل هو لم يكن قط تفوقاً عسكرياً واقتصادياً (1). 

لهذا نجد أن الحركة الجهادية لم تكن متوقفة على حساب العامل الاقتصادي، بل تقرر خطة الحركة أولاً، ثم يسعى – قدر الإمكان – في تلبية حاجاتها. وقد ساعد على ذلك تلك التربية التي قامت على الصبر كما رأينا فيما سبق.

التربية الأخلاقية

لا شك بأن مكانة النظام الخلقي هي في الذروة بين أنظمة الإسلام الأخرى، فهي كلها تصب فيه، وهو غايتها، ولذا لما  سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:

(كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)  (2).

وليس من مهمتنا هنا تتبع كل ما ورد في ذلك، إنما الغاية هي إلقاء الضوء على الأحداث الأخلاقية المهمة في هذه المرحلة.

لقد كانت أهم قضية خلقية شغلت المدينة شهراً كاملاً هي ما عرف “بحديث الإفك” ونحاول أن نلخص القصة من حديث عائشة رضي الله عنها:

_______________________

1. في ظلال القرآن 2/ 673.

2. أخرجه مسلم برقم 746.


(قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ. فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدي قَدْ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ). 

(فَأَقْبَلَ الرهط الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا. . فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا). 

(فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ بها داه ولا مجيب فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي (1) الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ قد عرس (2) مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فََادَّلَجَ (3) فَاصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فعرفني. . وقد كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أن يضرب الْحِجَابِ علي، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ (4) حِينَ عرفني) . 

(فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ).

_______________________

 

1. أي قصدته.

2. النزول آخر الليل في السفر.

3. هو السير آخر الليل.

4. أي قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.


(فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ فَذَاكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ.. ). 

وعرفت عائشة الخبر بعد ذلك، فازداد مرضها واستأذنت أن تذهب إلى بيت أبيها لتتأكد من الخبر. . وذهبت.

واستشار صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد قالت: (فأما أسامة فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنْ الْوُدِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ..). 

(قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فقال: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي). 

(فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ (1) فَقَالَ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ). 

(قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ). 

_______________________

 

1. في غير رواية البخاري ومسلم، الذي قام هو أسيد بن حضير لأن سعد بن معاذ كان قد توفي عقب غزوة الخندق. انظر التفصيل في ذلك فتح الباري 8/ 455 وما بعدها.


واستمرت عائشة في بكائها يوماً وليلة. . ثم دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(قَالَتْ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ).

(قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: “أَمَّا بَعْدُ” يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ). 

(قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}). 

(قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي.. فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ. . أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: “أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ”. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عَشْرَ آيَاتٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي.. ) (1).

هذا معظم رواية عائشة رضي الله عنها أثبتناها لأنها تبين الأجواء والملابسات التي وقعت فيها الحادثة، والحجم الذي أخذته من تفكير النبي صلى الله عليه وسلم وتفكير المؤمنين وما نتج من لغط وإفط طبل له المنافقون ووقع فيه بعض المؤمنين عن غفلة منهم. . 

_______________________

 

1. رواه البخاري برقم 4750 ومسلم برقم 2770 واللفظ له.


 

والذي نحب أن نلفت النظر إليه أن هذه الحادثة وقعت في شعبان من السنة السادسة للهجرة، أي قبل نهاية هذه المرحلة التي نتحدث عنها بستة أشهر. ولذا فهي تستوقفنا لأمور عدة:

1- دور النفاق: هذه الحادثة كلها من إخراج عبدالله بن أبي ابن سلول. . وهذا يبين لنا كم عانى المجتمع الإسلامي في عهد النبوة من آثار النفاق على جميع الجبهات، الداخلية والخارجية، العسكرية. . والأخلاقية. .

وكان صلى الله عليه وسلم يصبر ويصبِّر أصحابه، لأن غير المسلمين ينظرون إلى المنافقين على أنهم مسلمون، فالإساءة إليهم ربما كانت عائقاً في انتشار الدعوة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر عندما اقترح قتل ابن أبي: كيف بك إذا قيل إن محمداً يقتل أصحابه؟

2- التربية والوقت: ها هي خمس سنوات مضت والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهر القوم ومع ذلك لم يمنع هذا رجلاً فاضلاً مثل سعد بن عبادة أن تأخذه الحمية الجاهلية، ليس وحده، وإنما انضم إليه قومه، وهذا يعني أن التربية تحتاج إلى وقت كبير، ولا تكون إلا شيئاً فشيئاً، فليست هي محاضرة تلقى وتنهي المهمة، بل هي ممارسة لعملية التغيير من داخل النفوس. . وإن هذا ليضع بين أيدينا حجم الجهد الذي بذله الرسول صلى الله عليه وسلم في صياغة هذه النفوس وفق منهج الإسلام.

3- عصبة النفاق: وتبين الآيات أن الذي تولى كبر هذه الفرية هو عبدالله بن أبي بن سلول، ولكنه محاط بعصبة تتعاون معه وتنفذ له ما يريد، وقد انساق في ظل ضوضاء هذه الفرية أناس من المؤمنين هم: حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثه، وحمنة بنت جحش. .

ولهذا عندما نزلت الآيات الكريمة لم يثبت على عبدالله بن أبي بن سلول المشاركة في الحديث هو ولا أتباعه، ولذلك لم يحدوا، بينما حد المؤمنون الذين تابوا ورجعوا إلى الله تعالى وهم: حسان ومسطح وحمنة.

وهكذا يقوم النفاق بدوره في الظلام دون أن يظهر على السطح، وكان على المؤمنين أن يكونوا أكثر تنبهاً وحذراً.

ونعود بعد هذا إلى نص الآيات الكريمة التي نزلت ببراءة عائشة، وفيها التوجيه القرآني الكريم. قال تعالى:

 

{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ ٱمْرِئٍۢ مِّنْهُم مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلْإِثْمِ ۚ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُۥ مِنْهُمْ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَّوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُولَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْأَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُۥ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْأَخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

[النور: الآيات: 11- 20].

وكما هو واضح فالآيات الكريمة تبين أشياء كثيرة منها:

1- براءة السيدة عائشة رضي الله عنها.

2- إثم الذين خاضوا في هذا الإفك.

3- العتب على المؤمنين وبيان الموقف الذي كان ينبغي أن يتخذ من قبلهم. . وهو أن يظنوا بأنفسهم الخير، وهو الأمر الذي فعله بعضهم مثل أبي أيوب الأنصاري، حيث قالت له امرأته أم أيوب: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: نعم وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة – والله – خير منك.

4- عظم الخوض في مثل هذا الأمر في المجتمع الإسلامي، وأنه من رحمة الله وفضله أن عفا عنهم، ولولا ذلك لمسهم عذاب عظيم في الدنيا والآخرة.

5- ثم بينت الآيات كيف خاضوا في أمر لا علم لهم به. وأنهم حسبوا أن ذلك أمراً هينا، ووبين لهم أنه ليس كذلك وأنه عظيم عند الله تعالى.

6- وعتب آخر، أنه كان ينبغي ألا يخوضوا في ذلك الحديث وأن يعلموا أنه بهتان عظيم.

7- التحذير من أن يحدث هذا في المجتمع الإسلامي مرة أخرى. 

8- بيان عظم عقوبة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

9- ثم التأكيد على أن عملهم كان يستحق العقوبة للجميع ولكن برحمة من الله تعالى عُفي عنهم.

وهكذا تبين الآيات عظم حرمة البيوت، وعظم جريمة الخوض بأعراض الناس وأن الإنسان مسؤول أمام الله عن ذلك، وأن الموقف السليم للمؤمن أن يحمي سمعه عن سماع هذه الأمور. . ثم لم تكتف الآيات بالحديث عن العقوبة الأخروية فقد جاءت الآيات الأخرى في أول السورة لتسجل عقوبة القذف بالدنيا إضافة إلى عقوبة الآخرة.

وبهذا تصان الأعراض، ويتعلم المسلمون السلوك الذي ينبغي أن يكون تجاه مثل هذه الأحداث من صون السمع واللسان. .

وهناك أمر آخر يتعلق بالتربية الأخلاقية في الحادثة نفسها: وهو أن أبا بكر رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره، فلما نزلت براءة عائشة حلف ألا ينفق عليه أبداً، وذلك بسبب خوضه بهذا الحديث فأنزل الله تعالى:

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓا أُولِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوٓا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

[سورة النور: الآية 22].

فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً.

وهذا يوجه القرآن الكريم إلى عمل الخير ابتغاء وجه الله تعالى بعيداً عن كل النزعات النفسية، حتى وإن كان لها ما يبررها. . وهكذا يرتقي العمل ليصبح خالصاً لوجه الله تعالى.

التربية الاقتصادية

إن الإسلام لم يأت لينكر طبائع الناس وفطرتهم التي فطرهم الله عليها، وإنما أتى ليجعل هذه الفطرة متساوقة مع المنهج الإلهي الأمر الذي ينظم حياة الإنسان في شتى مجالاتها بحيث لا يطغى جانب على جانب.

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ينبه إلى هذا حينما يقرر هذه الحقائق:

قال صلى الله عليه وسلم:

 

(لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)

(1).

 

(يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ)

(2).

 

إنه التقرير للحقائق، وعدم الاعتراف بذلك جهل، ومحاولة إلغائها جهل أكبر، ولكن الإسلام جاء ليضبط مسارها ويوجهها لتؤدي دورها وفق منهج الله تعالى.

_______________________

 

1. رواه مسلم برقم 1048.

2. رواه مسلم برقم 1047.


ونحن في هذه الدراسة لسنا بصدد وضع النظريات. . وإنما نحاول تسجيل الواقع من خلال الزمن الذي بيناه سابقا. . وبما أن التربية النبوية قد غطت جميع مسارب النفس، فلا بد من الحديث عن التربية الاقتصادية، وما نبحثه هنا وإن كان خطاً عاماً. . ولكني أقدر أن تربية النفوس عليه كانت في هذه المرحلة. وأستطيع أن ألخص المعالجة النبوية الكريمة بالنقاط التالية.

1- غنى النفس:

لا شك بأن كل إنسان حريص على زيادة أمواله وهو ما يعبر عنه بالغنى، وهذا الحرص كما مر في الحديث السابق غريزة قائمة في النفس الإنسانية، ويحرص الإسلام على تعديل هذا المعنى.

جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: “قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر،  أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم، قال: وترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب” (1).

وهكذا يطرح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم معنى آخر للغنى غير ما تعارف عليه الناس، وهو لا يعني خطأ ما تعارف عليه الناس، وإنما ارتقى صلى الله عليه وسلم بمعنى الغنى إلى مقام أرفع.

وغنى القلب يعني عدم تقبل المال من كل سبيل، بل مما أحله الله تعالى، وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس، لأنه استغنى بما عنده وبما كتب له عند الله تعالى وقد سلك صلى الله عليه وسلم في تقرير هذا المعنى في نفوس أصحابه كل الطرق المجدية. .

عن عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ “إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ (2) وَجَزَعَهُمْ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي

_______________________

 

1. رواه ابن حبان. انظر فتح الباري 11/ 272.

2. أي اعوجاجهم. وأصله: الميل، وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين.


 

قُلُوبِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْغِنَى مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ) (1).

ومن هذا المنطلق يصبح عدم العطاء هو المرغوب وهو الذي يسعى إليه. أرأيت كيف تعدل المعاني في الاتجاه الصحيح. .  

وفي سبيل استشعار الغنى حقيقة، يضع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الوسائل النفسية بين الأيدي حتى تكون في متناول الجميع في سبيل الوصول إلى المعنى المطلوب وهو “غنى النفس” فيقول: 

“إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه” (2)

وفي رواية: “انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله” (3).

وبهذا يشعر الإنسان بنعم الله عليه، وتعرض نفسه عن التطلع إلى ما في أيدي الناس، فيرتاح هو نفسياً في الدرجة الأولى، فلا يجد الحسد في نفسه مقراً له، وبالتالي يكون الناس سعداء به طالما أنه لا يتطلع إلى ما في أيديهم. . 

وعندما تستكمل هذه المعاني في النفس تصل إلى درجة الغنى التي عناها النبي الكريم بقوله:

“لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ” (4).

_______________________

 

1. رواه البخاري برقم 3145.

2. رواه البخاري برقم 6490 ومسلم برقم 2963.

3. من رواية مسلم برقم 2963.

4. رواه البخاري برقم 6446 ومسلم برقم 1051.


 

2- العمل:

لا يتوفر للإنسان “غِنَى النَّفْسِ” إلا إذا استطاه الاستغناء عن حاجته إلى الآخرين، وهذا إنما يتوفر بإحدى وسيلتين أو بهما معاً. وسيلة نفسية وأخرى مادية:

أما النفسية فإن حديث أبي سعيد الخدري يرشدنا إليها.

قال رضي الله عنه:

 

(إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: “مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصّ

مواضيع ذات صلة