×

الرغبة بالجمع

أولع بعض المؤلفين بالجمع، دون النظر إلى المصدر، حتى بات مثل كتاب “الأغاني” مرجعاً تؤخذ منه الأحاديث النبوية. وإذا وصل الأمر إلى هذا المستوى فلك أن تتخيل ما شئت، إذ عند ذلك تصبح كل الكتب الأخرى مقبولة.

 والمثال على ذلك:

قال السيوطي: أخرج أبو الفرج الأصبهاني في “الأغاني” من طريق إبراهيم بن المهدي، قال عبيدة بن الأشعث، عن أبيه أنه ولد سنة تسع من الهجرة، وأن أمه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن إلى بعض، فتلقي بينهن الشر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فماتت (3).

______________________

1. المواهب اللدنية 2/ 527.


2. المواهب اللدنية 4/ 308.


3. الخصائص الكبرى 2/ 296.


 

ونتساءل أين حلم الرسول ﷺ الذي وسع كفار أهل مكة يوم أخرجوه إلى الطائف، ولاقى في سفره ذلك ما لاقى، ثم جاء ملك الجبال ليقول له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم – كما الصحيحين -: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً) (1).

 وأين حلمه ﷺ الذي وسع أهل مكة، أي من بقي منهم على الكفر حتى يوم الفتح، عندما قال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

 هذا الحلم العظيم الذي وسع القتلة والمجرمين الذين وقفوا في وجه الدعوة بسيوفهم وألسنتهم وشعرائهم. . عجز عن أن يسع امرأة أخطأت حتى دعى عليها صلى الله عليه وسلم فماتت؟؟

 وإذا كانت الأمور تعالج بهذا الأسلوب الذي اخترعه واضع الحديث أما كان الأحق بهذه الدعوة أمثال أبي جهل وأبي لهب ومن كان على شاكلتهم، يوم كان صلى الله عليه وسلم في أشد حالات الضيق؟!.

 إن واضع الحديث أراد أن يقول: إن من معجزاته صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى استجاب دعاءه في هذه المرأة فماتت.

 وكأنه ما دري أن هناك عشرات الأحاديث الصحيحة بهذا الشأن فما فائدة أن نصيف لها ما لا أصل له. مع ما في ذلك من تعارض مع الخط العام الذي ينتظم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، كما رأينا.

وفي كل مرة يتأكد أن أي إضافة يضعها العقل عن مقام النبوة، فإنها تفسد أكثر مما تصلح، لأنها جسم غريب، يرفضه البنيان الصحيح، القائم على قوله تعالى: 

{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ ٱخْتِلَٰفًا كَثِيرًا}

(2).

______________________

1. متفق عليه (خ 3231، م 1795).


2. سورة النساء، الآية (82).

مواضيع ذات صلة