إذا كان تحويل القبلة اختياراً للمسلمين في اتباعهم الرسول ﷺ فقد أثبت المسلمون نجاحاً أيما نجاح. وقد روى الإمام البخاري عن البراء أن أول صلاة صلاها الرسول ﷺ إلى الكعبة كانت صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي ﷺ قبل مكة. فداروا كما هم قبل البيت (1).
والذي يبدو أن الخبر لم يصل إلى أهل قباء إلا في صلاة الصبح من اليوم الثاني. كما ورد في الصحيحين عن ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة. فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (2).
وواضح من الحادثتين وقد وقعتا في مكانين مختلفين وإحداهما في صلاة العصر والثانية في صلاة الصبح ذلك التوافق العجيب في سلوك المؤمنين تجاه تنفيذ أوامر الله واتباع رسوله، دون ارتياب أو شك أو تأجيل وذلك دلالة أخرى على الثقة القائمة في المجتمع الذي ربي على الصدق والاستقامة. فلم يطلبوا من الناقل دليلاً لوجود تلك الثقة. ولم يتموا صلاتهم في الاتجاه إلى القدس كما بدؤوا. وإنما منذ سماعهم الخبر. وأثناء الصلاة – تابعوها في الاتجاه الجديد. إنه المسارعة إلى تنفيذ الأمر والفقه في دين الله. إذ بعد بلوغهم الخبر لن تصح صلاتهم في الاتجاه السابق. إنه النجاح في الاختيار من جميع وجوهه.
4- صوم رمضان:
وفي شعبان من السنة الثانية – بعد تحويل القبلة – فرض صيام شهر رمضان وأنزل الله
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
(3).
_______________________
(1) (2) البداية 3/ 235.
(3) سورة البقرة: الآية 183.