كان المشركون في مكة مصدر الإيذاء ابتداء من البعثة، وحتى الهجرة، وبلغ هذا الإيذاء ذروته عند الهجرة عندما حاولوا قتل النبي ﷺ.
وبعد الهجرة وانتصار المسلمين في غزوة بدر، بدأ المنافقون دورهم ومن ورائهم اليهود في إيذائهم النبي ﷺ.
وقد سجلت السيرة، وكذلك آيات القرآن الكريم، أحداث هذا الإيذاء، وقد مر ذكر بعض ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب (1).
وهكذا فقد كان الإيذاء المقصود صادراً عن غير المسلمين طيلة حياة النبي ﷺ، ولم تسجل حادثة واحدة عن مسلم.
ذلك أن هذا النوع من السلوك يتنافى مع الإيمان تنافي تضاد ولا يمكن أن يصدر عنه بحال من الأحوال.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يتجاوز عن ذلك ولا يعاقبهم، في معظم الأحوال، لما قد يترتب على ذلك من عوائق في سبيل الدعوة، وحتى لا يقال – كما رود في الحديث جواباً لعمر عندما اقترح قتل بعض المنافقين – (إن محمد يقتل أصحابه).
______________________
1. المراد كتاب “من معين السيرة” والذي يمثل الجزء الأول من هذه الدراسة، والجزء الثاني “من معين الشمائل” والكتاب الذي بين أيدينا هو الجزء الثالث والأخير.
على أن عقوبة الله تعالى قد حلت بالمنافقين في الدنيا قبل الآخرة إذ نزلت آيات القرآن الكريم تبينهم وتفضحهم من خلال أفعالهم وأقوالهم حتى يعرفهم المؤمنون ولا يغتروا بإسلامهم الظاهر.
وقد سميت سورة التوبة “الفاضحة” لكثرة ما ورد فيها من آيات تبين أحوالهم، بقولها
{وَمِنْهُمْ . . وَمِنْهُمْ}.
وكذلك في سورة الأحزاب بيان واف لبعض سلوكهم وتصرفهم وكذلك سورة المنافقون.
وآيات وآيات في سورة متعددة.
وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته بأسماء من بقي من المنافقين إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
تلك هي منابع الإيذاء التي سجلتها السيرة في حياة النبي ﷺ كان لا بد من بيانها قبل المضي في هذا البحث، حتى يعلم أن أرض الإيمان ليست مكاناً لاستنباب هذا السلوك المنحرف.