واستدل لذلك بما رواه البخاري من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا:
(لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ)
(1).
قال ابن الملقن – بعد أن ساق الحديث -: وفهم مما ذكرناه أنه حرم عليه نكاح كل امرأة كرهت صحبته، وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء، ويشهد لذلك إيجاب التخيير.
ومن أصحابنا – أي الشافعية – من قال: إنما كان يفرقها تكرماً. وهو غريب كما في الرافعي (2).
وإذا أمعنا النظر في هذا الحديث والأحاديث الأخرى التي سجلت هذه الواقعة، فلن يكون في الأمر أكثر من تصرف صدر عن من وصفه القرآن بصاحب الخلق العظيم.
فهو ﷺ بفعله هذا تصرف تصرف الرجل الكريم، وسجل واقعة ليتأسى بها الناس.
فمن أين أتى حكم التحريم، ومن الذي حكم به، والمشرع لم يقل أكثر من:
(لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ)؟.
وما ذهب إليه بعض الشافعية – واستغربه الرافعي – من أنه فارقها تكرماً هو الصواب، والغريب حقاً هو استغراب الرافعي لذلك.
وخلاصة القول: ليست المسألة من أمر الخصائص في شيء، وإنما هي مسألة تدخل في ميدان السلوك الأخلاقي الكريم، الذي بعث ﷺ ليكمله، وقد فعل.
______________________
1. أخرجه البخاري برقم (5254).
2. بداية السول ص 147.