من خصائصه ﷺ أنه تحرم عليه الصدقات، ويشاركه في هذا التحريم آله من بني هاشم وبني المطلب وكذا زوجاته، وكذا مواليه.
والمراد بالصدقات: الزكاة الواجبة، والصدقة المتطوع بها، وصدقة الفطر، ويلحق بذلك النذور والكفارات.
وذلك بدلالة النصوص الآتية:
1- عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (كِخْ، كِخْ) لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ: (أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) وفي رواية (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ)
(1).
2- عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرَّ النبي ﷺ بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ، (لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا)
(2).
______________________
1. متفق عليه (خ 1485، 1491، م 1069).
2. متفق عليه (خ 2431، م 1071).
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ (أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ)؟ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: (كُلُوا) وَلَمْ يَأْكُلْ وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ ﷺ فَأَكَلَ مَعَهُمْ
(1).
ويدخل في هذا التحريم العمل على الصدقات: فَعَنْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَا وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَلَّمَاهُ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا تَفْعَلَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ قَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا. فَانْطَلَقَا وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ قَالَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا ثُمَّ قَالَ: (أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ) ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ. قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ قَالَ وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ)
(2).
______________________
1. متفق عليه (خ 2576، م 1077).
2. أخرجه مسلم برقم (1072).
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَسْأَلَهُ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)
(1).
وقد قال العلماء في تعليل هذا الحكم:
إن الصدقة أوساخ الناس – كما في الحديث السابق – ومنصبه ﷺ منزه عن ذلك.
وقالوا: جاء في الحديث:
(الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَ)
(2)
ويد الرسول ﷺ هي العليا في كل كمال.
وقالوا: إن الصدقة تنشأ عن رحمة الدافع لمن يتصدق عليه، فلم يرد الله أن يكون نبيه ﷺ مرحوم غيره.
تنبيه أول: اختلف علماء السلف: هل شاركه في ذلك الأنبياء، ام اختص به دونهم؟ فقال بالأول: الحسن البصري، وبالثاني: سفيان بن عيينة (3).
تنبيه ثان: هل يحرم عليهم الاستفادة من الصدقات العامة، كالمساجد، ومياه الآبار؟
والحقيقة أن مثل ذلك لا يدخل تحت عنوان الصدقة، ذلك بأنه بمجرد التبرع به أصبح ملكاً عاماً للمسلمين. وقد أكل الرسول ﷺ من لحم تُصدق به على بريرة وقال:
(هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ وَلَنَا هَدِيَّةٌ)
(4).
______________________
1. أخرجه أحمد 6/ 8 وأبو داود (1650) والترمذي (581) والنسائي (2611).
2. متفق عليه (خ 1429، م 1033).
3. غاية السول، لابن الملقن ص 126.
متفق عليه (خ 1495، م 1074).
4. متفق عليه (خ 1495، م 1074).