القائمة الرئيسية

تفنيد القرآن لهذه الشبهة

لقد زعمت فئة من الناس أن القرآن من تأليف النبي ﷺ، وهذا الطعن من أقدم الطعون وقد ذكر في القرآن كما في قوله سبحانه وتعالى:

{وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍۢ ۙ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

[النحل: 101]

أي: أنك متقول على الله تعالى (1).

وكما قال سبحانه وتعالى:

{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ ٱفْتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًا وَزُورًا}

[الفرقان: 4]

{أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَٰهُ ۚ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٍۢ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}

[السجدة: 3].

{أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةٌۢ ۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلْبَعِيدِ}

[سبأ: 8]

{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍۢ قَالُوا مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ}

[سبأ: 43].

ولا زال الطاعنون يرددون هذه الشبهة إلى اليوم، وعامة النصارى في القديم والحديث مكذبون بأن القرآن من عند الله تعالى، وهذه بعض أقوال المحدثين منهم:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. انظر: تفسير البيضاوي (3/ 420).


 

وفي دائرة المعارف الإسلامية: “القرآن ليس من عند الله” (1).

ويقول المستشرق ويلز (2): “محمد هو الذي صنع القرآن” (3).

ويقول يوليوس فلهاوزن (4): “القرآن من عند محمد” (5).

ويقول غوستاف لوبون (6): “القرآن من تأليف محمد” (7).

ويقول درمنجهام (8) – وهو يصور النبي ﷺ بالفنان أو الشاعر الذي يتأمل الطبيعة، ثم يبدع في التأليف -: “وهذه النجوم في ليالي صيف الصحراء كثيرة البريق، حتى لا يحسب المرء أنه يسمع بصيص ضوئها، وكأنه نغم نار موقدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الإسقاط في مناهج المستشرقين، للدكتور شوقي أبو خليل (ص 47)، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1995م.

2. هربرت جورج ويلز (1866 – 1946م): الكاتب والأديب البريطاني المعروف، حصل على بكالوريوس العلوم عام 1888م، وتولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف، أشهر بقصصه التي تعتمد الخيال العلمي، من مؤلفاته “معالم تاريخ الإنسانية” وغيره من الكتب، انظر: “قالوا عن الإسلام” (ص 144).

3. معالم تاريخ الإنسانية، لويلز (3/ 262)، انظر: المرجع السابق (ص 47).

4. يوليوس فلهاوزن (1844- 1918م): مؤرخ لليهودية ولصدر الإسلام، وناقد للكتاب المقدس (العهد القديم)، ألماني نصراني، وفي سنة 1872م سار أستاذاً ذا كرسي في جامعة جريفسلد، ثم انتقل إلى جامعة هاله Halle في سنة 1882 حيث قام بتدريس اللغات الشرقية وتنقل بين عدة مناصب في العديد من الجامعات حتى تقاعد عام 1913م، ومن مؤلفاته: “تاريخ إسرائيل”، “المدينة قبل الإسلام” و “تنظيم محمد للجماعة الإسلامية”، و “تاريخ الدولة العربية”، وغيرها من المؤلفات. انظر: موسوعة المستشرقين، لبدوي (ص 408) بتصرف.

5. تاريخ الدولة العربية، ليوليوس فلهاوزن (ص 8)، ترجمة عن الألمانية د. محمد أبو ريدة، الألف كتاب، القاهرة، 1958م.

6. عوستاف لويون: طبيب ومؤرخ فرنسي، ولد عام 1841م. عني بالحضارات الشرقية، من آثاره: حضارة العرب، والحضارة. انظر: “قالوا عن الإسلام” (ص 86).

7. حضارة العرب، لغوستاف لوبون (ص 111)، في فصل: تأليف القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، 1979م.

8. مستشرق فرنسي، عمل مديراُ لمكتبة الجزائر، من آثاره: “حياة محمد” في باريس عام (1929)، و “محمد والسنة الإسلامية” ألفه في باري (1955م)، انظر: قالوا: عن الإسلام (ص 60).

 


حقاً إن في السماء لشارات للمدركين، وفي العالم غيب بل العالم غيب كله؛ لكن ألا يكفي أن يفتح الإنسان عينيه ليرى، وأم يرهف أذنه ليسمع، ويرى الحق ويسمع الكلم الخالد، لكن للناس عيوناً لا ترى وآذاناً لا تسمع، أما هو فيحسب أنه يسمع ويرى، وهل تحتاج لكي تسمع ما وراء السماء من أصوات إلا إلى قلب مخلص مُلئ إيماناً. . .” (1).

ويقول نولدكه (2): “كانت نبوة محمد نابعة من الخيالات المتهيجة، والإلهامات المباشرة للحس أكثر من أن تأتي من التفكير النابع من العقل الناضج، فلولا ذكاؤه الكبير لما استطاع الارتقاء على خصومه، مع هذا كان يعتقد أن مشاعره الداخلية قادمة من الله بدون مناقشة” (3).

ومجمل أقوال المستشرقين وغيرهم من الطاعنين في الوحي الذي يوحى إليه ﷺ؛ أن هذا القرآن إنما هو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. القرآن والمستشرقون، د. التهامي نقرة (ص 28).

2.. تيودور نولدكة (1836 – 1931م): شيخ المستشرقين الألمان غير مدافع، متقن للغات السامية الثلاث (العربية، السريانية، العبرية)، وعنده لغات أخرى كثيرة، حصل على الدكتوراه الأولى عام 1856م برسالة عن تاريخ القرآن، وكان يبحث عن المخطوطات الشرقية ويعكف عليها لدراستها، فسافر إلى فيينا ثم ليدن ثم جوته في ألمانيا ثم برلين ثم روما، لكنه لم يرحل إلى البلاد العربية أو الإسلامية مع أن تخصصه فيها، عين في جامعة كيل أستاذاً للغات السامية، ثم تنقل بين مناصب عدة. انظر: موسوعة المستشرقين، لبدوي (ص595).

3. آراء المستشرقين حول القرآن، الكريم وتفسيره، د. عمر بن إبراهيم رضوان (1/ 387)، عن كتاب تاريخ القرآن، لنولدكه (1/ 5).

 


1- إلهام سمعي.

2- تأثير انفعالات عاطفية.

3- لأسباب طبيعية عادية كباعثة النوم (التنويم الذاتي).

4- تجربة ذهنية فكرية.

5- حالة كحالة الكهنة والمنجمين.

6- حالة صرع وهستريا (1).

7- يقول نصر أبو زيد – ملمحا إلى هذا الطعن -: “القرآن ينتمي إلى ثقافة البشر” (2).

 

1- رد القرآن على هذه الشبهة:

بداية؛ فقد فصل الله تعالى هذه القضية بقوله:

{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ}

[يونس: 37].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. انظر تفصيل هذه الأقوال في: كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، د. عمر بن إبراهيم رضوان (1/ 381)، دار طيبة، الرياض، ط1، (1992م).

2. مفهوم النص – دراسة في علوم القرآن، لنصر حامد أبو زيد (ص 27)، من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1990م، ضمن إصدارات ما تسميه الهيئة (دراسات أدبية).

 


قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: “هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله؛ لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة؛ لا يكون إلا من عند الله، الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى:

{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ}

[يونس: 37]

أي: مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يشبه هذا كلام البشر:

{وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ}

أي: من الكتب المتقدمة، ومهيمناً عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وقوله:

{وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ}

أي: وبيان الأحكام والحلال والحرام بياناً شافياً كافياً حق لا مرية فيه من الله رب العالمين، كما في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب: “فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم” أي: خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه” (1).

“لقد علم الناس أجمعون – علماً لا يخالطه شك – أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي، ولد بمكة في القرآن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. . . هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواترة به لا يماثلها ولا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض.

أما بعد؛ فمن أين جاء به محمد بن عبد الله ﷺ؟

 أمن عن نفسه ومن وحي ضميره، أم من معلم؟ ومن هو ذلك المعلم؟ نقرأ في هذا الكتاب أنه ليس من عمل صاحبه، وإنما هو قول رسول الله كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين: ذلكم هو جبريل عليه السلام تلقاه من لدن حكيم عليم، ثم نزله بلسان عربي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (2/ 417).


مبين على قلب نبينا محمد ﷺ، فتلقنه نبينا محمد ﷺ كما يتلقن التلميذ عن أستاذه نصاً من النصوص، ولم يكن له فيه من عمل بعد ذلك إلا: الوعي والحفظ، ثم الحكاية والتبليغ، ثم البيان والتفسير، ثم التطبيق والتنفيذ.

أما ابتكار معانيه وصياغة مبانيه فما هو منها بسبيل، وليس له من أمرهما شيء، إن هو إلا وحي يوحى.

هذا سماه القرآن حيث يقول:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـَٔايَةٍۢ قَالُوا لَوْلَا ٱجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ مِن رَّبِّى ۚ}

[الأعراف: 203]

ويقول:

{قُلْ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلْقَآئِ نَفْسِىٓ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۖ}

[يونس: 15]

وأمثال هذه النص كثيرة في شأن إيجاء المعاني، ثم يقول في شأن الإيحاء اللفظي:

{إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}

[يوسف: 2]

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ}

[الأعلى: 6]

{لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُۥ}

[القيامة: 16-19]

{ٱقْرَأْ}

[العلق: 1]

{وَٱتْلُ}

[الكهف: 27]

{وَرَتِّلِ}

[المزمل: 4]

فانظر كيف عبر بالقرآن بالقراءة والإقراء، والتلاوة والترتيل، وتحريك اللسان، وكون الكلام عربياً، وكل أولئك من عوارض الألفاظ لا المعاني البحث.

القرآن إذا صريح في أنه “لا صنعة فيه لمحمد ﷺ، ولا لأحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله بلفظه ومعناه”، والعجب أن يبقى بعض الناس في حاجة إلى الاستدلال على الشطر الأول من هذه المسألة، وهو أنه ليس من عند محمد ﷺ” (1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. النبأ العظيم، للدكتور عبد الله دراز (ص 14- 15).


2- عجز العرب عن معارضته:

لو كان القرآن من تأليف النبي ﷺ لاستطاع العرب أن يأتوا بمثله، مع حرصهم الشديد على معارضته، وكان النبي ﷺ يتحداهم دائماً ويكرره عليهم كثيراً، ومع هذا لم يطق أحد منهم معارضته، ولا يقال: إن النبي ﷺ بلغ من العبقرية مبلغاً بحيث لم يستطع أحد أن يأتي بمثل ما قال؛ لأنه يمكن للمخالفين أن يجتمعوا فيألفوا قرآناً، ومن المعلوم أن الجماعة تبدع وتبتكر أكثر من الإنسان الواحد، فلو اجتمع مائة شاعر مثلاً لتأليف قصيدة؛ لكانت في جمالها وقوتها وسبكها أفضل بمراحل من شاعر واحد ألف قصيدة، مهما بلغ هذا الشاعر من البلاغة والبيان (1)، فإذا كان أحد المشركين لم يستطيعوا معارضة القرآن؛ فلماذا لم يجتمعوا لمعارضته؟ ولكن هيهات؛ فإنه لو اجتمعت قريش والعرب وأهل الأرض قاطبة، بل والجن ما كانوا لهم أن يأتوا بمثل آية منه:

{قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًا}

[الإسراء: 88]

3- مخالفة القرآن لرأيه وطبعه ومعاتبته:

“لا أدل على أن الوحي القرآني خارج عن الذات المحمدية من مخالفة القرآن في عدة مواطن لرأيه الشخصي ولطبعه الخاص” (2) ومعاتبته في بعض المواضع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. ومن هذا الباب المجامع الفقهية وما فيها من اجتهاد جماعي، ومنه ما في دول الغرب من عمل لجان متخصصة في الطب والفلك والأحياء والكيمياء والكهرباء والحاسوب وغيرها من العلوم، فأثمرت هذه اللجان المتخصصة علوماً وإبداعاً، واكتشافاً لا يستطيعه الفرد الواحد مهما بلغ من فرط الذكاء وسيلان الذهن وعبقرية العقل أن يبدعه.

2. القرآن والمستشرقون، لنقرة (ص 35)، والمستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، محمد باقر الحكيم (ص 50)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.


ومثل قوله تعالى:

{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْأَخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلَا كِتَٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

[الأنفال: 67- 68]

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي. . الحديث.

وفيه: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر: “ما ترون في هؤلاء الأسارى؟” فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية؛ فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله ﷺ: “ما ترى يا ابن الخطاب؟”، قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان – نسيباً لعمر – فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله ﷺ: “أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة” شجرة قريبة من نبي الله ﷺ، وأنزل الله عز وجل:

{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَٰلًا طَيِّبًا ۚ}

[الأنفال: 67-69]

 

فأحل الله الغنيمة لهم (1).

“وتأمل آية الأنفال المذكورة، تجد فيها ظاهرة عجيبة؛ فإنها لم تنزل إلا بعد إطلاق أسارى بدر وقبول الفداء منهم، وقد بدئت بالتخطئة والاستنكار لهذه الفعلة، ثم لم تلبث أن ختمت بإقرارها وتطيب النفوس بها، بل صارت هذه السابقة التي وقع التأنيب عليها هي القاعدة لما جاء بعدها (2)، فعل الحال النفسية التي يصدر عنها أول الكلام – لو كان عن النفس مصدره – يمكن أن يصدر عنها آخره، ولما تمض بينهما فترة تفصل بينهما؟ كلا، وإن هذين الخاطرين لو فرض صدورهما عن النفس متعاقبين، لكان الثاني منهما إضراباً عن الأول ماحياً له، ولرجع آخر الفكر وفقاً لما جرى به العمل. فأي داع دعا إلى تصوير ذلك الخاطر الممحو وتسجيله، على ما فيه من تقريع علني بغير حق، وتنغيص لهذه الطعمة (3) التي يراد جعلها حلالاً طيباً؟ إن الذي يفهمه علماء النفس من قراءة هذا النص أن ها هنا ألبتة شخصيتين منفصلتين، وأن هذا صوت سيد يقول لعبده: لقد أسأت ولكني عفوت عنك وأذنت لك” (4).

ومثل هذا قوله تعالى:

{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ}

[التوبة: 43].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة فداء الأسرى، رقم (1763).

2. يعني: أنه يجوز لولي الأمر بعد هذه الحادثة في الأسرى أن يفدي بهم أو يمن بالمجان أو يقلتهم.

3. الطعمة: المكسب.

4. النبأ العظيم (ص 27)

 


وقوله سبحانه وتعالى:

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَىٰهُ ۖ }

[سورة الأحزاب: 37].

عن مسروق رحمه الله قال: “كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فسألت عائشة رضي الله عنها: هل رأى محمد ﷺ فَقَالَتْ: سبحات الله لق قف (1) شعري لما قلت؛ يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ قُلْتُ مَا هُنَّ؟ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: “إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ” فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]؟ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]؟ قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. قف الشعر: بروزه من الجلد عند الخوف أو الرهبة أو البرد ونحو ذلك.


وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولَ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَقُولُ {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. [النمل: 65]

(1)

وعن أنس رضي الله عنه قال: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: “اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ”، قَالَ أَنَسٌ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ”

(2).

يقول الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله وهو يتكلم عن أدلة صدق النبي ﷺ، فذكر أن من الأدلة على ذلك: “مخالفة القرآن لطبع الرسول، وعتابه الشديد له في المسائل المباحة، وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه في المسائل المباحة، وأخرى كان يجيئه القول فيها على غير ما يحبه ويهواه؛ فيخطئه في الرأي يراه، ويأذي له في الشيء لا يميل إليه. . . حتى في أقل الأشياء خطراً:

 {ٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

[التحريم: 1]

{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}

[الأحزاب: 37]

{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ}

[التوبة: 43]

 

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ}

[التوبة: 113]

 

 

{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْأَخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلَا كِتَٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

[الأنفال: 67: 68]

 

 

{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰٓ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ  وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ}

[عبس: 1- 10]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. متفق عليه (البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب: تفسير سورة النجم، رقم (4574)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، رقم (177). واللفظ لمسلم.

2. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم، رقم (6984).

 


 

أرأيت لو كانت هذه المؤاخذات صادرة عن وجدانه، معبرة عن ندمه ووخز ضميره حين بدا له خلاف ما فرط من رأيه؛ أكان يعلنها عن نفسه بهذا التهويل والتشنيع؟ ألم يكن له في السكوت عنها ستر على نفسه، واستبقاء لحرمة آرائه؟ بل إن هذا القرآن لو كان يفيض عن وجدانه، لكان يستطيع عن الحاجة أن يكتم شيئاً من ذلك الوجدان، ولو كان كاتما شيئاً لكتم أمثال هذه الآيات، ولكنه الوحي لا يستطيع كتمانه:

{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍۢ}

[التكوير: 24]  (1).

وقد أقر بهذا الدليل بعض المستشرقين، مثل المستشرق (ليتز) حيث قال: “مرة أوحى الله إلى النبي ﷺ وحياً شديد المؤاخذة؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى، ليخاطب رجلاً غنياً من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان محمد كاذباً – كما يقول أغبياء النصارى بحقه – لما كان لذلك الوحي من وجود” (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. النبأ العظيم (ص 24)، وضنين: يعني ببخيل في تبليغ الوحي.

2. دين الإسلام، للايتونز، ترجمة: عبد الوهاب سليم (ص 132)، المكتبة السلفية، دمشق، 1423هـ، وذكر أن لايتز هو باحث إنجليزي حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، زار الآستانة عام 1854م


4- إجباره في هذا الكتاب بأمور تحصل بعد موته وعلوم لم تكن في حياته:

وقد قيل: يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ويمكن أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت.

فلنفرض أن النبي ﷺ استطاع أن يخدع كل من كان في زمنه، ألا يخشى أن ينكشف بعد ذلك إذا ازداد الناس علماً، فهو يخبر بأمور فلكية وأخرى طبية وأمور جغرافية، ويخبر بأحداث سوف تقع بعد موته، ويتكلم بعلوم لم يعرفها أهل زمانه، كل هذا وهو مطمئن القلب لصدق نفسه، ثم لا يأتي الواقع إلا مطابقاً لما قال، ولا يأتي العلم – على تقدمه الكبير – إلا بتأكيد كلامه وتأييد آرائه، أليس في هذا دليل أنه لا يتحدث من قبل نفسه، بل من قبل من يعلم السر والنجوى الذي لا تخفى عليه خافية؟

قالت: بوتر (1): “كيف استطاع محمد ﷺ الرجل الأمي، الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟ لا بد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل” (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. تقدمت ترجمتها.

2. قالوا عن الإسلام (ص 55).

 

مواضيع ذات صلة