القائمة الرئيسية

جواز لعن من شاء بغير سبب

قال ابن القاص: واختص ﷺ بأنه يباح له لعن من شاء من غير سبب يقتضيه (2).

أقول: تصور معي هذه المسألة قبل الحديث عن الدليل وعن التعليل.

إنسان يلعن إنساناً أو شيئاً لغير سبب يقتضي ذلك.

______________________


2. غاية السول ص 183، وتهذيب الخصائص الكبرى ص 417، ومرشد المحتار ص 248.


إن هذه الصورة لو نقلت عن أي إنسان لعده الناس أسوأ الناس! فكيف تلصق هذه الصورة بالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي جاء وصفه في الصحيح 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ ﷺ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا. وأنس أقرب الناس إليه!!.

(1)

وهو الذي جاءت أحاديثه ﷺ الكثيرة في النهي عن اللعن والشتم ومنها:

(إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(2).

(لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا)

(3).

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَقَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)

(4).

 هذه هي الصورة المنقولة لنا في الصحيح عن رسول الله ﷺ فكيف أمكن جعل اللعن ولغير سبب من خصوصياته؟.

 إنه الأمر العجيب. ولذا استبعده العلماء.

ونعود لنفتش عن الدليل والتعليل لهذا القول، فلا نجد إلا استدلالاً واحداً قال: لأن لعنته رحمة.

 ونحن بحاجة في هذه المسألة إلى إيضاح أمرين:

الأمر الأول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يغضب ويرضى وقد يصد السب والشتم منه في حالة الغضب، كما يحدث لكل الناس.

______________________


1. أخرجه البخاري برقم (6031).


2. أخرجه مسلم برقم (2598).


3. أخرجه مسلم برقم (2597).


4. أخرجه مسلم برقم (2599).


وقد جاء ذلك صريحاً عنه ﷺ فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: 

(اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(1).

فالحديث الشريف يبين بصراحة ووضوح أن السب يمكن أن يحدث، ولكن ذلك إنما يكون في حالة الغضب. والغضب انفعال نفسي لا يحدث بغير سبب. وإنما يكون بعد أسباب تستدعي وجوده.

 ولكن المسألة هنا تجعل اللعن مباحاً له لمن شاء ومن غير سبب يقتضيه!!

 الفارق كبير كبير بين الصورة التي جاءت بها المسألة، وبين الصورة المعروضة في الحديث.

ولذا لا يمكن أن يكون ما جاء في الحديث دليلاً لما جاء في المسألة.

 الأمر الثاني: أن الحديث السابق يحدد أن سبه يكون رحمة للمؤمنين، وإلا فإنه صلى الله عليه وسلم دعا على الكفار والمنافقين، ولم يكن دعاؤه رحمة لهم.

 فقد جاء في الحديث 

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّه كَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ

(2).

______________________


1. أخرجه مسلم برقم (2601).


2. متفق عليه (خ 797، م 676).

 


بهذا يتضح الأمر، بأن المسألة محل البحث لا صلة لها برسول الله ﷺ، وفيها تشويه لأخلاقه الكريمة، بل إنها غير مقبولة لأي إنسان، لأنها تصوير لإنسان غير سوي في فطرته منحرف في سلوكه وأخلاقه.

وأخيراً: فأين دليل الخصوصية لهذه المسألة؟!.

مواضيع ذات صلة