القائمة الرئيسية

خصوصية زواجه ﷺ بعائشة

قال ابن الملقن: صح أنه صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها لست سنين أو سبع فذهب ابن شبرمة (2) – فيما حكاه ابن حزم – إلى أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز للأب إنكاح ابنته حتى تبلغ.

 قال: وقد خالف الجمهور، فإنهم قالوا: إن ذلك يجوز لكل واحد، وإنه ليس من الخصائص، بل نقل ابن المنذر الإجماع عليه (3).

______________________

2. ابن شبرمة: عبدالله بن شبرمة الضبي القاضي، روى عن أنس والتابعين. قال أحمد العجلي: كان عفيفاً صارماً عاقلاً يشبه النساك، شاعراً جواداً. وهو فقيه الكوفة، توفي سنة أربع وأربعين ومائة للهجرة (شذرات الذهب).

3. غاية السول ص 222.

وقال الإمام ابن حجر: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ. وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقاً: أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة، حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وهي بنت ست سنين كان من خصائصه (1).

 ويتبين من النصين أن ابن شبرمة يرى عدم صحة عقد النكاح إذا كان سن المعقود عليها أقل من سن البلوغ. وذلك لأن غاية عقد النكاح إقامة الحياة الزوجية بين الزوجين، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بالنسبة للصغيرة، ولذلك رأى عدم صحة العقد، لعدم تحقق ثمرته.

 وبناءً على ذلك عدَّ زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها من الخصوصيات التي اختص بها.

 ولعل الذي ساعده على هذا الرأي، ما أخرجه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَقُلْتُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ).

 

وفي رواية للبخاري:

 

(رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ مرتين).

وفي رواية لمسلم:

 

(رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ ثلاث ليال.. )

(2).

ورؤيا الأنبياء نوع من الوحي. فكان عقد هذا الزواج تنفيذاً لما جاء به الوحي، ولعل هذا يفسر لنا العقد المبكر على عائشة قبل سنتين أو أكثر من الدخول، عندما جاء الوحي.

______________________

1. فتح الباري 9/ 190.

2. متفق عليه (خ 3895، 5125، م 2438).

ويؤيد هذا ما جاء في بعض الروايات في وصف زفاف عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. فقد أخرج مسلم عنها:

 

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا

(1).

 

 وكان للعبها هذه دور في حياتها الأولى بعد زواجها والأحاديث الصحيحة في هذا الشأن متوفرة وكثيرة.

 ربما كانت هذه الأمور وغيرها هي التي دفعت ابن شبرمة إلى القول بالخصوصية.

 وذهب الجمهور إلى عدم الخصوصية واستدلوا بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في زواجه من عائشة رضي الله عنها، وبقوله تعالى:

 

{وَٱلَّٰٓـِٔى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشْهُرٍۢ وَٱلَّٰٓـِٔى لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَٰتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ }

(2).

 

فقد قال المفسرون عند قوله تعالى:

 

{وَٱلَّٰٓـِٔى لَمْ يَحِضْنَ ۚ }

 

الصغار اللاتي لم يبلغن سن الحيض.

 فالآية تتحدث عن عدة النساء في حال الطلاق. فذكرت أولاً اللائي يئسن من المحيض، ثم ذكرت نوعاً آخر وهو اللاتي لم يحضن – الصغيرات – وقالت بأن عدتهن ثلاثة أشهر.

 فتفسير اللائي لم يحضن بالصغيرات يثبت حدوث الزواج لهن، إذ لا يكون الطلاق إلا بعد زواج.

 وبهذا يتقرر أن الزواج من الصغيرات أمر مباح لكل الناس. وليس أمراً خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه ابن شبرمة.

______________________

1. أخرجه مسلم برقم (1422).

2. سورة الطلاق، الآية (4).

وقد استقر هذا التفسير وأخذ أبعاده لدى المحدثين أيضاً، حيث بوب إمام الأئمة البخاري لحديث زواج عائشة وهي بنت ست بقوله

 

{وَٱلَّٰٓـِٔى لَمْ يَحِضْنَ ۚ }

 

فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ” (1).

هذا مجمل ما جاء في هذه المسألة.

ولا بد لي من كلمة في ختام هذه المسألة:

إن حديث زواج عائشة وهي بنت ست والذي نصه:

 

“عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا”

(2).

 

دليل قوي بيد الجمهور.

 ولكن إذا نظرنا إلى الملابسات التي تحيط به، من مجيء الملك بصورتها، ومن اللعب التي حملت معها، وبقيت في بيتها إلى مدة غير قصيرة، ومن تسريب النبي صلى الله عليه وسلم لصديقاتها البنات يلعبن معها.. كل هذه الملابسات عندما يجمع بعضها إلى بعض، تجعل لاجتهاد ابن شبرمة قوة لا تقل عن قوة الجمهور فيما ذهب إليه.

 أما ما جاء في الآية الكريمة من قوله تعالى:

 

{وَٱلَّٰٓـِٔى لَمْ يَحِضْنَ ۚ }

 

فهي وإن فسرت بالصغيرات، فهناك احتمال آخر قائم في تفسيرها:

ألا وهو أن كثيراً من الفقهاء ذكروا في أبواب الحيض من كتبهم: أنه وجد من النساء من لا تحيض أصلاً.

وعليه فلم يعد تفسير الآيات قاصراً على الصغيرات، بل لا بد وأن يشمل الكبيرات اللواتي لم يأتهن الحيض (3).

______________________

1. هذا التبويب وقع عند الحديث (5133).

2. متفق عليه (خ 5133، م 1422).

3. لقد تأكدت من قول الفقهاء بنفسي فقد سألت عدداً كبيراً من الأطباء عن هذا الأمر – وهو وجود من لا تحيض – وقد أخبرني أحدهم وهو ممن أثق به: أنه يعرف عن طريق وزجته وجود فتاتين لم يحضن، بلغت إحداهن الخامسة والعشرين، والثانية بلغت الخامسة والثلاثين، وأن أخاً لإحداهن تزوج ولم ينجب، وأنهما لم تتزوجا لسبب واحد، هو أن الأهل كانوا يبينون هذا الأمر للخاطب عندما يحضر، فيرغب عن الزواج خوفاً من عدم الإنجاب. وقد قال لي هذا الطبيب: إنه على استعداد للذهاب معي إلى أهل الفتاتين، لأكون على يقين من الأمر.

مواضيع ذات صلة