الآيات الواردة في ذلك:
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تنبه على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره وقد وقف عندها كتاب السيرة طويلاً وأفاضوا في شرحها.
ونذكر منها:
قوله تعالى:
{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
(1).
وقال تعالى:
{لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ}
(2).
وقال تعالى:
{يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٍۢ وَلَا نَذِيرٍۢ ۖ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}
(3).
______________________
1. سورة التوبة، الآية (128).
2. سورة آل عمران، الآية (164).
3. سورة المائدة، الآية (19).
ففي هذه الآيات:
1- من الله تعالى على عباده المؤمنين أن بعث فيهم هذا الرسول، والمن لا يكون إلا في الأمور الكبيرة والأعطيات العظيمة، وبخاصة إذا كان من الله تعالى.
2- وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
3- كما وصفه بأنه عزيز عليه كل ما يوقع المؤمنين في المشقة والحرج.
4- كما وصفه بالحرص على هدايتهم.
5- وبين أن من مهماته تزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة فهو المرشد لهم والآخذ بأيديهم إلى الهدى والمنقذ لهم من الضلال.
6- وهو البشير والنذير.
7- وفي قوله تعالى: {رَسُولُنَا} إضافة تشريف له صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ}
(1).
إن هذا المنهج الذي جاء به هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جاء بالرحمة لكل الناس وحيثما يطبق فإن الناس – كل الناس – سيعيشون في ظلال رحمته الوارفة.
ولقد سجل التاريخ المقالة المشهورة “لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب” والعرب يومئذ هم مادة الإسلام ونواة المسلمين، وما كانوا كذلك إلا بهذا الدين الحنيف.
______________________
1. سورة الأنبياء، الآية (107).
على أن هذه الرحمة التي جاء بها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قد تجاوزت الإنسان لتصل إلى الحيوان بل وإلى النبات.
إنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ۖ }
(1).
فقد جعل الله تعالى إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إطاعة له، لأنه لا يأمر إلا بما أمر به الله تعالى، ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه. ومن هنا كانت طاعته طاعة لله، وأي تشريف أعظم من هذا؟!.
ومثل هذا قوله تعالى:
{قُلْ أَطِيعُوا ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ۖ}
(2).
فقد جمعت الآية الكريمة بين الطاعتين بواو العطف.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}
(3).
قال سيد قطب – رحمه الله – في شرح الآية: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} رفعناه في الملأ الأعلى ورفعناه في الأرض، ورفعناه في هذا الوجود جميعاً، رفعناه فجعلنا اسمك مقروناً باسم الله كلما تحركت به الشفاه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وليس بعد هذا رفع، وليس وراء هذا منزلة، وهو المقام الذي تفرد به صلى الله عليه وسلم دون سائر العالمين.
______________________
1. سورة النساء، الآية (80).
2. سورة آل عمران، الآية (32).
3. سورة الشرح، الآية (4).
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ في اللوح المحفوظ، حين قدر الله أن تمر القرون، وتكر الأجيال، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الاسم الكريم، مع الصلاة والتسليم، والحب العميق العظيم.
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، وقد ارتبط بهذا المنهج الإلهي الرفيع، وكان مجرد الاختيار لهذا الأمر رفعة ذكر لم ينلها أحد من قبل ولا من بعد في هذا الوجود.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ}
(1).
قال القاضي عياض في “الشفا”: هذه آية جامعة لوجوه الكرامة، وأنواع السعادة، وشتات الإنعام في الدارين، والزيادة.
قال ابن كثير: “أي يعطيه في الدار الآخرة حتى يرضيه في أمته، وفيما أعد له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر”.
ومن هذا العطاء الشفاعة بأنواعها يوم القيامة.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ}
(2).
وقد كان خلقه – صلى الله عليه وسلم – القرآن. كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
قال سيد قطب رحمه الله، عند هذه الآية:
“وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم، ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود.”
______________________
1. سورة الضحى، الآية (5).
2. سورة القلم، الآية (4).
ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور، عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهس شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ}
ومدلول الخلق العظيم هو: ما هو عند الله، مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين.
ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم تبرز من نواح شتى:
تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال، يسجلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله.
وتبرز من جانب آخر، من جانب إطاقة محمد صلى الله عليه وسلم لتلقيها، وهو يعلم من ربه هذا، قائل هذه الكلمة، ما هو؟ ما عظمته؟ ما دلالة كلماته؟ ما مداها؟ ما صداها؟ ويعلم من هو، إلى جانب هذه العظمة المطلقة، التي يدرك منها ما لا يدركه أحد من العالمين.
إن إطاقة محمد لتلقي هذه الكلمة، من هذا المصدر، وهو ثابت.. ولا تتأرجح شخصيته تحت وقعها. هو ذاته دليل على عظمة شخصيته فوق كل دليل.
ولقد رويت عن عظمة خلقه في السيرة، وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة، وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه، ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شيء آخر..”.
ومن هذه الآيات:
قوله تعالى:
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
(1).
______________________
1. سورة الأحزاب، الآية (56).
قال ابن كثير: قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء.
قال: والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً.
وجاء في ظلال القرآن:
“يا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه، ويشرق به الكون كله، وتتجاوب به أرجاؤه، ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي، وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم.
وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم، إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه، وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم”.
تلك بعض الآيات القرآنية الكريمة التي وردت في تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته عند الله تعالى.
وكل آية – لو كانت وحدها – فيها من التنويه بقدرة ما تعجز ألسنة البشر وأقلامهم عن وصفه وبيان مقداره، فكيف والآيات في هذا الباب كثيرة كثيرة. وقد وقفنا على بعضها.
فاللهم صل على سيدنا محمد في الأولين.
وصل على سيدنا محمد في الآخرين.
وصل على سيدنا محمد في النبيين.
وصل على سيدنا محمد في المرسلين.
وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
السور الواردة في ذلك:
رأينا في الفصلين: الأول والثاني من هذا الباب ظاهرة الخطاب القرآني للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وما تدل عليه من تكريم.
وفي الفقرة السابقة من هذا الفصل وقفنا أمام بعض الآيات التي تسجل فضل الرسول صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره.
والقارئ للقرآن الكريم تستوقفه سور بكاملها مدار الآيات فيها حول الحديث عن الرسول وبيان فضله ومكانته.
وإذا كان المقام لا يسمح بتسجيل هذه السور بكاملها والوقوف أمام آياتها وبيان ما ينضوي تحتها من المعاني الكريمة، لأن ذلك يخرج بنا عن منهج البحث في هذا الكتاب فلا أقل من الإشارة إليها، الأمر الذي يرشد القارئ الكريم إليها، وبرجوعه إليها وتلاوتها، وتأمل آياتها بروية وتؤدة، يتحقق الهدف الذي قصدت إليه في هذه الفقرة.
وهذه السور هي:
1- سورة الأحزاب.
2- سورة الفتح.
3- سورة الضحى.
4- سورة الشرح
5- مقدمة سورة النجم.
إنه فضل الله يؤتيه من يشاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.