القائمة الرئيسية

مؤامرة قريش الفاشلة

وفتحت قريش أعينها للواقع الجديد فإذا المسلمون قد نزلوا داراً وأصبح لهم إخوان أصابوا بهم منعة، وإذا رسول الله ﷺ قد أصبح له شيعة وأنصار، وبلد يأوي إليه. فخافوا خروجه إليهم وأن يقوى أمره بهم فربما جمع لحربهم. . . ومرت
بأذهانهم أيام وأيام نالوا فيها من المسلمين كما نالوا من رسول الله، إنها
ثلاثة عشر عاماً، صبر فيها هو وأصحابه على البلاء والتكذيب. . . وكانت لهم جولات وجولات. . . ولئن قاتلهم فلن يلومه أحد. .

كان عليه أن يتدبروا الموقف قبل أن تفوتهم
الفرصة، وهرعوا إلى دار الندوة حيث يجتمع القوم لتداول الأمور الخطيرة في
حياتهم، وكان الاجتماع يضم عليه القوم – أكابر مجرميها – عتبة وشيبة وأبو جهل. . وقدمت أقتراحات: منها السجن، ومنها أن يترك وشأنه طالما أن سيغادر مكة. . وبعد المناقشة استقر الرأي على الاقتراح الذي قدمه أبو جهل: قال إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: ما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى
أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً، ثم نعطي كل فتى سيفاً
صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه، فنستريح منه،
فإنهم إذا فعلوا ذلك نفرق دمه في القبائل جميعاً، فلم يقدر بنو عبد مناف
على حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالعقل، فعقلناه لهم.

ورأي أبي جهل في مثل هذه المواقف لا يناقش. . ووافق المجتمعون على ذلك تفرقوا للإعداد لتنفيذ الأمر.

وجاء جبريل فأخبر رسول الله ﷺ بما عزم عليه القوم وأمره أن لا ينام في فراشه تلك الليلة، كما بلغه الإذن بالهجرة.

وفي وسط النهار وفي شدة الحر أتى رسول الله ﷺ بيت أبي بكر، تقوم السيدة عائشة رضي الله عنها: قال أبو بكر: والله ما جاء به هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله ﷺ فاستأذن فأذن له فدخل، فقال النبي ﷺ لأبي بكر: (أخرج من عندك). فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله. قال: (فإن الله أذن لي في الخروج). فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال: (نعم)، فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال: (بالثمن. . .).

قالت عائشة: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.

واستأجرا عبد بن أريقط – وكان مشركاً – يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال.

وعاد ﷺ إلى منزله، وحل المساء، وأحاط القوم بالبيت يرصدونه، ولما رأى رسول الله ﷺ مكانهم قال لعلي: (نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لم يخلص إليك شيء تكرهه منهم).

كان أبو جهل – قائد الأشقياء – يحدث جماعته وهم على بابه ﷺ قائلاً: إن
محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم ثم بُعثتم من بعد
موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم
بعثتم بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها. . . كان أبو جهل هذا يتحدث ساخراً مستهزئاً. فهو قاب قوسين أو أدنى مما منى نفسه به من الشر. . والرسول ﷺ داخل المنزل وهم محيطون به راصدون لكل ما يجري فيه. . فأنى لمحمد أن يفلت من أيديهم وشرك مكة كله من ورائهم. . ويسجل القرآن الكريم هذا الحدث بقوله:

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ ۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ} .

مواضيع ذات صلة