×

مكانة المرأة في المجتمع

إن المرأة تشكل نصف المجتمع بشكل عام وقد تزيد قليلاً في بعض المجتمعات، وقد تنقص قليلاً في بعضها الآخر.

وهي تشارك الرجل في كل الأحكام التي سبق الحديث عنها في الفصول التي تقدمت، ولكن ما من شك في أن لها من الأحكام ما تنفرد به.

ومن حيث الجانب التاريخي، فإن المرأة ظلت مهضومة الحقوق، بل لا حقوق لها أصلاً في بعض المجتمعات، وفي بعض المجتمعات الأوربية ظلت مسألة إنسانية المرأة محل خلاف، هل هي إنسان أم حيوان أم نوع ثالث بين الإنسان والحيوان. . وكان هذا بعد مجيء الإسلام بعشرة قرون.

وكان شأن المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام لا يختلف كثيراً عن وضعها في المجتمعات الأخرى، ولئن كانت أحسن في بعض الجوانب فهي ربما كانت أسوأ في جوانب أخرى.

وجاء الإسلام ليقرر أن المرأة هي كالرجل في كل الأحكام باستثناء ما يتعلق بخصوصياتها.

فهي مطالبة بكل العبادات التي كلف بها الرجل، ولها ذمتها المالية الخاصة به، وهي ترث من مات من أقاربها، وتورث عند وفاتها، وهي مسؤولة عن تصرفاتها شأنها شأن الرجل في ذلك.

وهي مخاطبة تماماً كالرجل بكل ما جاء في الخطاب القرآني، سواء أكان بقوله تعالى:

 

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ}

أم بقوله تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا}.

وبهذا وأمثاله مما جاء به الإسلام، استعادت المرأة مكانتها وما قرر لها الله تعالى من حقوق.

وكان ذلك مدون في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومع ذلك فإن النبي الكريم ﷺ في هذه الخطبة الجامعة الخاتمة يخصص قسطاً للحديث عن المرأة لا يقل عن حديثه في الأمور الأخرى، تأكيداً منه على ما سبق تقريره، وإشعاراً بمكانة رعاية هذا الجانب من شؤون الأمة.

ويحسن بنا أن نذكر هذا النص مرة ثانية لدراسته ومحاولة فهم ما ورد فيه.

قال ﷺ:

(أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا.
أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا.
فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ.
أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ).

 

وأول ما يلفت النظر في هذا النص الشريف: أن الكلام فيه خاص بالحديث عن العلاقة بين الزوج وزوجته.

أما الأم والبنت والأخت وكل النساء الأخريات فإن النص لا يتناولهن، وذلك لأن هؤلاء النساء لا تقوم العلاقة بينهن وبين الرجل على مرتكز مادي، وإنما هي علاقة القرابة  والرحم، وهي أعلا شأناً من الارتباط المادي.

وقد جاء الحديث مفصلاً عنهن في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وفيه ما يضمن حقوقهن المادية وما هو أجل من ذلك من الإحسان إليهن وصلتهن.

ولهذا لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم على ذكرهن، وجاء الحديث متقصراً على الزوجة باعتبار العلاقة بينهما وبينه على عقد تم بموافقة كل من الطرفين، والجانب المادي (المهر) مكون من مكونات العقد إضافة إلى ما قد تشترطه المرأة من شروط.

وقد عظم القرآن شأن هذا العقد، واعتبر الزوجة هي الجانب الضعيف، ولذلك جاء التعبير القرآني مشعراً بذلك، وهو قوله تعالى:

 

{وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا}

[النساء: 21]

فالمرأة هي التي أخذت العقد لتطالب بحقوقها إن لزم الأمر. والتعبير بــ {غَلِيظًا} يؤكد قوة هذا العقد ومتانته واختلافه عن بقية العقود.

بل إن الشروط التي ترافقه تعد من أوثق الشروط التي ينبغي الالتزام بها وتنفيذها. وقد جاء هذا في الحديث المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم:

(مَ أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) (1)

والغالب أن الشروط في هذا العقد تكون من قبل الزوجة، وذلك لأن الرجل لا يحتاج إلى ضمانات ففي يده الطلاق يستطيع به أن ينهي هذه العلاقة إذا لم يوافقه الطرف الآخر.

وإذن فالتأكيد على الوفاء بشروط هذا العقد إنما هو ضمان لما ترعب به المرأة.

وإذا كان هذا شأن العقد والشروط المرتبطة به، فيحسن بنا أن نرجع قليلاً إلى ما قبل العقد من إتاحة الحرية الكاملة للمرأة في اختيار الزوج الذي تراه، سواء أكانت بكراً أم ثيباً.

ففي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة قال: النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

 

(لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: (أَنْ تَسْكُتَ) .

(2)

 

_______________________

 

1. رواه البخاري (2721) ومسلم (1418).

2. رواه البخاري (5136) ومسلم (1419).


وعن ابن عباس: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:

(الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) (1).

 والأيم: هي المرأة الثيب، التي سبق لها أن تزوجت.

وأما صمات البكر: فكان الباعث عليه الحياء من التصريح بإجابتها، فإذا تغيرت الأعراف ولم يعد الحياء مانعاً من ذلك فالمطلوب عندئذ التصريح برغبتها شأنها شأن الثيب.

ولم يبق هذا الأمر في نطاق الأوامر والتوجيهات، بل وجد من الوقائع ما يثبته ويحققه.

فقد جاء عن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها – وهي ثيب – فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه (2).

وعن ابن عباس: أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (3).

وعن بريدة قَالَ:

جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ قَالَ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ (4)

يتبين لنا مما سبق أن الإسلام أتاح للفتاة في أمر الزواج ما ليس موجوداً في الأنظمة الأخرى: من حرية الاختيار أولاً، ثم ضمن لها في العقد ما يضمن لها حقوقها وما ترغب به من شروط. .

وبعد هذه المقدمة نعود إلى النص النبوي الكريم.

_______________________

 

1. رواه مسلم (1421).

2. رواه البخاري (5138).

3. رواه أبو داود (2069) وابن ماجه (1875) وهو حديث صحيح.

4. رواه ابن ماجه (1874) وهو عند النسائي عن عائشة (3269) وصححه في “الزوائد”، وضعفه الألباني.


يشتمل النص على ثلاثة أمور:

– الوصية بالنساء خيراً.

– بيان حقوق كل من الزوج والزوجة.

– بيان متى يسمح للزوج أن يضرب زوجته.

1- أما الوصية بهن خيراً، فذلك ما تكرر منه ﷺ كثيراً يدلنا على كثرة الأحاديث الواردة في الموضوع، ومن ذلك:

ما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا) (1).

وعن عَائِشَةَ رضي اله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) (2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثل حديث عائشة (3).

وهذه الأحاديث وغيرها كثيرة تجعل خير الناس هو الأحسن معاملة لأهله، وتجعل مقياس فضل الرجل هو في معاملته لأهله. وهذه قضية بدهية، فالإنسان الذي لا يحسن معاملة أهله، وهناك من الروابط والدواعي الشيء الكثير الذي يدعوه لذلك، كيف تكون معاملته حسنة مع بقية الناس؟!

والرسول ﷺ: يجعل نفسه أسوة في هذا الأمر – وكذلك هو في غيره – فيقول: (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي). . وهذا يعني: أن على المسلمين التأسي به صلى الله عليه وسلم فيحسنوا معاملة أهليهم.

2- وأما حقوق الزوج على زوجته: فهي حسن رعاية بيته في غيبته، فلا تدخل بيته من لا يأذن له، ولا تجلس فيه من لا يرغب بدخوله عليه.

_______________________

 

1. حديث صحيح، رواه أبو داود (4682) والترمذي (1162).

2. حديث صحيح، رواه الترمذي (3895).

3. حديث صحيح، رواه ابن ماجه (1977).


وأما حقوق الزوجة على زوجها، فهو حسن معاملتها الذي سبق الحديث عنه، فخي بحكم الأسيرة عنده كما جاء في الحديث: (فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ)، ومن حسن المعاملة تلبية حاجتهن في الطعام والكسوة ولك الأمور الأخرى كالدواء، وما هو من ضرورات الحياة واقتصار الحديث على ذكر الطعام والكسوة، لأنهما أهم الضرورات ولا يعني ذلك أن الزوج ليس مطالباً ببقية الحاجات.

3- وأما مسألة ضرب الزوجة فقد وردت في قوله تعالى:

 

{وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}

[النساء: 34].

 

وقبل البدء بالحديث نحب أن نقف أمام هذا الحديث:

روى الإمام مسلم في “صحيحه” أن عبدالله بن عمر ضرب غلاماً له، ثم قال: هل أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق.

ثم أخذ عبدالله شيئاً من الأوض فقال: ما لي في عتقه من الأجر ما يزن هذا، إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:

(مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) (1).

وهذا يعني: أن يضرب الإنسان غيره ليس أمراً يتسامح به، ويعني أن ضرب الزوجة لا يكون إلا عند أمر خطير. وهو ما نصت عليه الآية الكريمة، وبيته ﷺ في خطبة الوداع.

ونطرح الأسئلة الآتية، لم يضرب الرجل زوجته؟

ألأنها قصرت وتأخرت في الطبخ وإعداد الطعام؟

أم لأنها قصرت في كنس البيت وتنظيفه؟

_______________________

1. رواه مسلم (1657).

 


أم لأن الطعام الذي أعدته كان مالحاً؟

أم لأنها قصرت في غسل ثياب زوجها؟

أم لأنها. . ؟.

ونتساءل، وبناءً على معاملة الرقيق التي فرضها الإسلام وسبق ذكرها:

لو أن أمة رقيقة عند رجل، قصرت في إعداد ما سبق ذكره، هل يجرؤ على ضربها؟

والجواب: إنه لن يفعل، لأن ذلك سيضطره إلى عتقها. . .

فهل الزوجة أو من الخادمة يستطيع أن يضربها ولا يسأل؟

إذن، وكما سبق القول فقضية ضرب الزوجة لا تكون إلا في أمر خطير يهدد بنيان الأسرة.

ويوضحه حديثه ﷺ في خطبته:

 

(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ. . ).

 

ونتساءل ما هي الفاحشة المبينة؟

ويأتي الجواب في حديث جابر الذي نقل لنا فيه خطبة الوداع، وفيها:

(فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) (1).

وهذا ما ذكره حديث ابن الأحوص الذي نحن بصدده، والذي جعل حق الرجل على امرأته أمراً واحداً لم يذكر غيره وهو: (فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ).

_______________________

1. رواه مسلم (1218).

 


إن إدخال الزوجة إلى بيت زوجها من لا يرغب الزوج دخوله، وبخاصة إذا كان رجلاً غريباً. . هو الفاحشة المبينة كما نص عليه حديث جابر ورتب عليه الإذن بالضرب وهو قوله:

(أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ. . .).

هذه هي الحالة الوحيدة التي يسمح للزوج فيها بضرب زوجته، لأن هذا الفعل مؤشر على بداية انحراف خلقي، وهو الأمر المخوف.

والآية بسياقها تؤكد هذا المعنى فهي تبدأ بالحديث عن أمر يتخوف منه، قال تعالى:

 

{وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ . . .}

[النساء: 34]

 

إن مجرد استشعار الانحراف الخُلقي عند الزوجة وتطلعها إلى رجل آخر يجعل من حق الرجل أن يتبع الخطوات التي ذكرتها الآية. . .

وقد يسأل بعضهم: لماذا هذه الخطوات والأمر خطير، فلماذا لا يكون الضرب مباشرة؟

والجواب: إن بعض الرجال لديهم من الغيرة ما هو متجاوز لحد الاعتدال كما ذكر عن سعد عبادة رضي الله عنه، وقد يكون ظن الرجل في غير محله، فالتمهل والتريث والتثبت أمر مطلوب.

وإذن، فالضرب يكون بعد مرحلتين هما: الوعظ والهجر. . وهذا يعني: أن الريبة غالبة على الظن، فإذا رأى الرجل المصلحة في الضرب وأن ذلك سيصلح الأمور فذلك خير، على أن ذلك ليس واجباً عليه، بل يستطيع مفارقة زودته دون أن يضربها، ويذهب كل منهما في سبيله.

على أن عملية الضرب لها شروط كثيرة، في مقدمتها ما ورد في الحديثين السابقين: أن يكون ضرباً غير مبرح، واكتفى بذكر ما قاله ابن حزم في هذا الموضوع، إذ لا مجال لذكر الشروط الأخرى.

قال ابن حزم: “ضربها بما لا يؤلم، ولا يجرح، ولا يكسر، ولا بعض، فإن ضربها بغير ذلك أقيدت منه، وإنما أباح الشارع الضرب ولم يبح الجراح، ولا كسر العظام، ولا تعفين اللحم، قال تعالى:

 

{وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ }

[المائدة: 45]

 

فصح أنه إن اعتدى عليها بغير حق القصاص عليه” (1).

هذه هي مسألة ضرب المرأة، إنها محدودة ومحصورة في سلوك واحد لا تتجاوزه إلى غيره.

 وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد تكلم في خطبته عن الخطوط العريضة في وضع المرأة في المجتمع الإسلامي، وواجب الإحسان إليها، وفقد كان في سلوكه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته مما نقل إلينا ما صحح مسار المسلمين مما لا مجال للحديث عنه، ولكني أكتفي بذكر أمثلة منه:

1- قال عمر بن الخطاب: والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.

قال: فبينا أنا في أتأمره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا قال: فقلت لها: ما لك ولما هناهنا، فيما تكلفك في أمر أريده؟

فقالت لي: عجباً لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حق يظل يومه غضبان.

فقام عمر فأخذ رداءه مكانه، حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنية، إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟

فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه.

فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم. . .

قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها.

_______________________

  • المحلى (10/ 41).


فقالت أم سلمة: عدجباً لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه؟

قال عمر: فأخذتني والله أخذاً كسرتني عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها (1).

ولا شك بأن عمر بعد مقابلته لابنته ولأم سلمة تبين له أمر كا يجهله من سلوكه صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك درساً في تصحيح سلوكه مع امرأته. . لأنه – كما هو شأن كل صحابي – حريص على اتباع مسلك الرسول ﷺ في كل أموره.

ولا شك بأن ما نقل إلى عمر كان يتناقله زوجات الصحابة فيكون ذلك داعياً لهم لتعديل سلوكهم.

2- وسن الرسول صلى الله عليه وسلم الاستفادة من رأي أزواجه في الأمور العامة.

ففي صلح الحديبية، وبعد إبرام الصلح وكتابته – وكان بعض الصحابة غير راض فيه من غبن للمسلمين – قال رسول الله ﷺ لأصحابه:

 

(قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا)

فما قام رجل منهم، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس.

فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، أخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.

فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه.

فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً (2).

_______________________

 

1. رواه البخاري (4913) ومسلم (1479).

2. رواه البخاري (2731، 2732).


لقد كان في مشورة أم سلمة رضي الله عنهما حلاً لمشكلة شعر الصحابة بعظمها بعد ذلك حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً كما ورد في الحديث.

نكتفي بهذين المثلين، فقد كانت سيرته ﷺ في بيته ومع أزواجه نموذجاً يتأسى به النساء وينقلن ذلك لأزواجهن.

وبهذا بلغت المرأة غاية ما يصلح لها من سلوك وفق تشريع الله تعالى خالفها والعالم بما يصلح لها ويصلحها.

مواضيع ذات صلة