عن أيوب بن بشير أن النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ:
(أفيضوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَيْهِمْ)، ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه، ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: (يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والأنصار على هيأتعا لا تزيد، وإنهم عيبتي (1)، التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، ونجاوزوا عن مسيئتهم)، ثم قال عليه السلام: (أيها الناس، إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا، بين ما عند الله فاختار ما عند الله)، ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأموالنا، فقال رسول الله ﷺ : على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان نت بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحداً عندي أفضل في الصحبة منه) (2).
قال أنس: “كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضرته الوفاة (الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه” (3).
_______________________
1- أي بطانني وخاصتي.
2- البداية 5/ 229 نقلاً عن البيهقي، وقال ابن كثير: وهو مرسل وله شواهد كثير.
3- البداية 5/ 238 من رواية البيهقي والنسائي والإمام أحمد كل بسنده.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا)
(1).
وعن عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَا:
لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا)
(2).
وأما آخر أقواله ﷺ فهي ما رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ”
(3).
وقالت: لما مرض النبي ﷺ المرض الذي مات فيه جعل يقول: ( اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى).
وعن عبدالله بن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت النبي صلى عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت – وهو مسند إلى ظهره – يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ) (4).
هذه الكلمات هي آخر ما سمع منه ﷺ .
وهي تضع بين أيدينا ما ينبغي أن نحرص عليه، وما ينبغي أن يبقى صداه في أسماعنا على مر الأيام.
إنها وصية بثلاثة أمور رئيسية:
_______________________
1- أخرجه البخاري برقم (4441).
2- أخرجه البخاري برقم (4443).
3- متفق عليه (خ 4435، م 2444).
4- متفق عليه (خ 4463، 4440، م 2444).
– فهي تحذر من أن تشوب عقيدة التوحيد الخالص – التي جاء بها ﷺ – شائبة، وذلك واضح من لعنه ﷺ لليهود والنصارى الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
– وهي توجه إلى العناية بأداء الصلاة، والحرص على ذلك، فالصلاة أم العبادات، وهي الصلة بين العبد وخالقه، فالحض عليها، إنما هو عنوان مضمونة الوصية بطاعة الله تعالى في كل ما أمر.
– وهي دعوة إلى حسن المعاملة مع الخلق، حتى يصل هذا الإحسان في التعامل إلى الحيوان.
إنها الوصية التي جمعت الكليات التي تنضوي تحتها كل شرائع الإسلام، إنها تطلب:
– إحسان الاعتقاد.
– إحسان العبادة.
– إحسان التعامل مع الخلق.
وإذا كانت هذه الكلمات هي آخر ما سمع منه ﷺ فذلك دلالة على أنه ﷺ ظل يؤدي دوره في التبليغ والتوجيه والنصح للأمة، حتى آخر نفس من حياته ﷺ .
إنه أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، على أكمل وجه. نشهد بذلك أمام الله تعالى راجين منه – سبحانه – أن يجازيه عنا خير ما جزى نبياًَ عن أمته.
ولا أجد ختماً لهذه الومضات المقتبسة من معين سيرته ﷺ خيراً من تنفيذ أمره تعالى بالصلاة عليه ﷺ . فأقول ممتثلاً أمره ﷺ في كيفية الصلاة عليه:
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ بَارِك عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (1).
_______________________
1- رواه البخاري (3370) ومسلم (406).