سبق الحديث عند الكلام عن معيشته ﷺ عن مطالبة زوجاته بالنفقة وكيف نزلت آية التخيير علاجاً لهذه المشكلة.
ولكن هذه الآية لن تنزل وحدها، وإنما تبعتها آيات أخرى تبين ما ينبغي أن يكون عليه أزواجه ﷺ. .
ولذا يحسن بنا ونحن في نهاية هذا الباب أن نتوقف أمام هذه الآيات التي حددت معالم الطريق لنساء النبي ﷺ، ومن ورائهن نساء المسلمين عامة.
قال تعالى:
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ يُضَٰعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}
[الأحزاب: 30- 31].
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍۢ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}
[الأحزاب: 32].
{وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
[الأحزاب: ٣٣]
وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}
[الأحزاب: 34].
والآيتان الاولى والثانية من هذا النص الكريم تتعلقان بأمر الله تعالى لنبيه ﷺ أن يخير زوجاته بين البقاء عنده على الحياة التي عهدنها وبين تسريحهن إن كن يرغبن في زينة الحياة الدنيا.
وقبل أن نتحدث عن معاني هذا التخيير وفوائده وآثاره نتوقف عند الطريقة التي سلكها ﷺ لتبليغ هذا الأمر لزوجاته.
“كان ﷺ يحب عائشة حباً ظاهراً، ويحب لها أن ترتفع إلى مستوى القيم التي يريدها الله له، ولأهل بيته، فيبدأ بها في التخيير، ويريد أن يساعدها على الارتفاع والتجرد، فيطلب إليها ألا تعجل في الأمر حتى تستشير أبوابها، وقد علم أنهما لم يكونا يأمرانها بفراقه، كما قالت. .
وهذه العاطفة الحلوة في قلب النبي ﷺ لا تخطئ عائشة رضي الله عنها من جانبها في إدراكها، فتسرها وتحفل بتسجيلها في حديثها. .
وكذلك تبدو عائشة رضي الله عنها إنسان يسرها أن تكون مكينة في قلب زوجها فتسجل بفرح حرصه عليها، وحبه لها، ورغبته أن تستعين بأبوايها على اختيار الأفق الأعلى، فتبقى معه على هذا الأفق الوضيء.
ثم نلمح مشاعر الأنوثة كذلك، وهي تطلب إليه ألا يخبر أزواجه الأخريات أنها اختارته حين يخيرهن، وما في هذا الطلب من رغبة أن يظهر تفردها في هذا الاختيار، وميزتها على بقية نسائه، أو على بعضهن في هذا المقام.
وهنا نلمح عظمة النبوة من جانب آخر في رد رسول الله ﷺ وهو يقول لها:
(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا).
فهو لا يود أن يحجب عن إحدى نسائه ما قد يعينها على الخير، ولا يمتحنها امتحان التعمية والتعسير، بل يقدم العون لكم من تريد العون، كي ترتفع على نفسها، وتتخلص من جواذب الأرض ومغريات المتاع (1).
ولقد اختار جميعهن رضي الله عنهن الله ورسوله والدار الآخرة.
ويسجل لنا هذا التخيير فوائد كثيرة:
“منها” اعتناء الله تعالى برسوله والغيرة عليه أن يكون بحالة بشق عليه وكثرة مطالب زوجاته الدنيوية.
ومنها: تنزيهه عما لو كان فيهن من يؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الآخرة.
ومنها: سلامة زوجاته رضي الله عنهن عن الإثم والتعرض لسخط الله ورسوله، فحسم الله بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول، الموجب لسخطه المسخط لربه الموجب لعقابه.
ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهن أن كان الله ورسوله والدار الآخرة مرادهن ومقصودهن، دون الدنيا وحطامها.
ومنها: استعدادهن بهذا الاختيار لأن يكن زوجاته في الدنيا والآخرة.
ومنها: ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل الخلق، وأراد الله أن تكون نساؤه كاملات مكملات، طيبات مطيبات
{وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ ۚ }
[النور: 26].
ومنها: أن هذا التخيير داع وموجب للقناعة التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه وهمه وغمه.
______________________
1. “في ظلال القرآن” (5/ 2856).
ومنها: أن يكون اختيارهن هذا سبباً لزيادة أجرهن ومضاعفته، وأن يكن بمرتبة ليس فيها أحد من النساء. .” (1).
وتبدأ الآيتان – الثالثة والرابعة – من النص الكريم السابق بخطاب نساء النبي اللاتي آثرن الله ورسوله والدار الآخرة على زينة الحياة الدنيا مبينة لهن مكانتهن ومسؤوليتهن.
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ يُضَٰعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}
[الأحزاب: 30-31].
“إنها تبعة المكان الكريم الذي هن فيه، وهن أزواج رسول الله ﷺ، وهن أمهات المؤمنين، وهذه الصفة وتلك، كلتاهما ترتبان عليهن واجبات ثقيلة، وتعصمانهن كذلك من مقارفة الفاحشة، فإذا فرض وقارفت واحدة منهن فاحشة مبينة واضحة لا خفاء فيها، كانت مستحقة لضعفين من العذاب، وذلك فرض يبين تبعة المكان الكريم الذي هن فيه. .
{وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا}
لا تمنعه ولا تصعبه مكانتهن من رسول الله المختار. . كما قد يتبادر إلى الأذهان.
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا}
والقنوت: الطاعة الخضوع، والعمل الصالح هو الترجمة العملية للطاعة والخضوع. .
{نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}
كما أن العذاب يضاعف للمقارفة ضعفين. . [فكذلك الأجر يضاعف مرتين]
{وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}
فهو حاضر مهيأ ينتظرها فوق مضاعفة الأجر، فضلاً من الله ومنة” (2).
______________________
1. “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان” للسعدي.
2. “الظلال” عند الآية الكريمة.
وتجمع الآيات الواردة بعد ذلك عدداً من التوجيهات الكريمة مبتدئة بتوجيه الأنظار إلى خصوصية نساء النبي ومكانتهن.
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍۢ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ}
[الاحزاب: 32].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي ﷺ – ونساء الأمة تبع لهن في ذلك – فقال تعالى مخاطباً لنساء النبي ﷺ بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة”.
ثم قال:
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ}
[الأحزاب: 32].
“ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال، أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين الذي يثير شهوات الرجال ويحرك غرائزهم، ويطمع مرضى القلوب ويهيج رغباتهم.
ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير؟ إنهن أزواج النبي ﷺ، وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة، وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي ﷺ وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار.
ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترفق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب، ويهيج الفتنة في قلوب، وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، أم المؤمنين، وأنه لا طهارة من الدنس ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس”.
ثم قال:
{وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}
[الأحزاب: 32].
“نهاهن من قبل عن النبرة اللينة، واللهجة الخاضعة، وأمرهن في هذه أن يكون حديثهن في أمور معروفة غير منكرة، فإن موضوع الحديث قد يُطمع مثل لهجة الحديث، فلا ينبغي أن يكون بين المرأة والرجل لحن ولا إيماء، ولا هذر ولا هزل، ولا دعابة ولا مزاح، كي لا يكون مدخلاً إلى شيء آخر وراءه من قريب أو من بعيد.
والله سبحانه الخالق العليم بخلقه، وطبيعة تكوينهم، هو الذي يقول هذا الكلام لأمهات المؤمنين الطاهرات، كي يراعينه في خطاب أهل زمانهن، خير الأزمنة على الإطلاق.
ثم قال تعالى:
{وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ}
[الأحزاب: 33].
ومن وقر يقر، أي: ثقل واستقر، وليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقاً، إنما هي إيماءة لطيفة، إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر، وما عداه استثناء طارئاً لا يثقلن فيه ولا يستقرون، إنما هي الحاجة تقضي وبقدرها.
والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها، كما أرادها الله تعالى، غير مشوهة، ولا منحرفة ولا ملوثة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة.
وإن خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت، قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس، وهو قادرون على اجتنابها، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرور والضلال.
فأما خروج المرأة لغير العمل، خروجها للاختلاط ومزاولة الملاهي، والتسكع في النوادي والمجتمعات.. فذلك هو الارتكاس في الحمأة، الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان”.
ثم قال تعالى:
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ }. .
“ذلك حين الاضطرار إلى الخروج، بعد الأمر بالقرار في البيوت.
ولقد كانت المرأة في الجاهلية تتبرج، ولكن جميع الصور التي تروى عن تبرج الجاهلية الأولى تبدو ساذجة أو محتشمة حين تقاس إلى تبرج أيامنا هذه جاهليتنا الحاضرة.
قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
وقال قتادة: وكانت لهن مشية تكسر وتعنج، فنهى الله عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فيدارى قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج.
وقال ابن كثير في “التفسير”: كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء، وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها، وأقرطة آذانها، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن.
هذه هي صور التبرج في الجاهلية التي عالجها القرآن الكريم، ليطهر المجتمع الإسلامي من آثارها ويبعد عنه عوامل الفتنة، ودواعي الغواية، ويرفع آدابه وتصوراته ومشاعره وذوقه كذلك”.
ثم قال تعالى:
{وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ }
[الأحزاب: 33].
“والإسلام وحدة تجمع الشعائر والآداب والأخلاق والتشريعات والنظم. . كلها في نطاق العقيدة، ولكل منها دور تؤديه في تحقيق هذه العقيدة، وتتناسق كلها في اتجاه واحد، ومن هذا التجمع والتناسق يقوم الكيان العام لهذا الدين، وبدونهما لا يقوم هذا الكيان.
ومن ثم كان الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، هو خاتمة التوجيهات الشعورية والأخلاقية والسلوكية لأهل البيت الكريم، لأنه لا يقوم شيء من تلك التوجيهات بغير العبادة والطاعة. . وكل ذلك لحكمة وقصد وهدف.
ثم قال تعالى:
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
[الأحزاب: 33].
وفي التعبير إيحاءات كثيرة. .
فهو يسميهم “أهل البيت” بدون وصف للبيت ولا إضافة، كأنما هذا البيت هو “البيت” الواحد في هذا العالم، المستحق لهذه الصفة، فإذا قيل “البيت” فقد عرف وحدد ووصف، ومثل هذا قيل عن الكعبة “بيت الله” فسميت: البيت، والبيت الحرام، فالتعبير عن بيت رسول الله ﷺ كذلك تكريم وتشريف واختصاص عظيم.
وهو يقول:
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}
[الأحزاب: 33]
وفي العبارة تلطف ببيان علة التكليف وغايته، تلطف بشي بأن الله سبحانه يُشعرهم بأنه بذاته العلية، يتولى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم، وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت.
وحين نتصور من هو القائل – سبحانه وتعالى – رب هذا الكون، الذي قال للكون: كن، فكان، الله ذو الجلال والإكرام، المهيمن العزيز الجبار المتكبر. . حين نتصور من هو القائل – جل وعلا – ندرك مدى هذا التكريم العظيم. .
وأخيراً، فإنه – سبحانه – يجعل تلك الأوامر والتوجيهات وسيلة لإذهاب الرجس وتطهير البيت، فالتطهير من التطهر، وإذهاب الرجس يتم بوسائل يأخذ الناس بها أنفسهم، ويحققونها في واقع الحياة العملي، وهذا هو طريق الإسلام، شعور وتقوى في الضمير، وسلوك وعمل في الحياة، يتم بهما معاً تمام الإسلام، وتتحقق بها أهدافه واتجاهاته في الحياة.
ويختم هذه التوجيهات لنساء النبي ﷺ بمثل ما بدأها به. . بتذكيرهن بعلو مكانتهن، وامتيازهن على النساء، بمكانهن من رسول الله ﷺ، وبما أنعم الله عليهن فجعل بيوتهن مهبط القرآن، ومنزل الحكمة، ومشرق النور والهدى والإيمان.
{وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}
[الأحزاب: 34].
وإنه لحظ عظيم يكفي التذكير به، لتحس النفس جلالة قدره، ولطيف صنع الله فيه، وجزالة النعمة التي لا يعدلها نعيم.
وهذا التذكير يجيء في ختام الخطاب الذي بدأ بتحيير نساء النبي ﷺ بين متاع الحياة الدنيا وزينتها، وإيثار الله ورسوله والدار الآخرة، فتبدو جزالة النعمة التي ميزهن الله بها، وضآلة الحياة الدنيا بمتاعها كله وزينتها” (1).
كان التخيير امتحاناً واختباراً.
وقد تخطى جميع أزواجه ﷺ هذا الامتحان بنجاح باهر.
وعندئذ أصبحن أهلا لتلقي هذه التوجيهات التي تجعلهن لسن كأحد من النساء. .
ومن ثم أهلاً لحمل شهادة “أهل البيت” التي تعني الكثير الكثير من معاني الرفعة والتكريم. .
وإذا كان ﷺ هو “الأسوة” فنساؤه أيضاً هن “الأسوة” للمسلمات، ولذا فهذه التوجيهات وإن كان المخاطب بها نساء النبي ﷺ، فهي عامة مطلوبة من جميع المسلمات. .
______________________
1. “في ظلال القرآن الكريم” عند الآيات الكريمة.