الشَّيخ العالِم، الأديب، الشَّاعر المطبوع: إبراهيم بن سُليمان الجرَّاح، من الكويت – البلد المعروف على ضفاف الخليج – المحروسة، المولود بها سنة (1319ه)، والمتوفَّى سنة (1422ه).
وهو من تلاميذ علاَّمة الكويت عبد الله الخلف الدّحَيَّان، ومن أسرة «الجرَّاح» الأسرة العلمية في الكويت التي منها شقيقه الفقيه الفرضي العالِم محمد بن سليمان الجرَّاح، والشاعر المُجيد داود الجرَّاح:
وَتَفُوحُ مِنْ طِيبِ الثَّناءِ رَوَائِحٌ *** لَهُمْ بِكُلِّ مَكَانَةٍ تُستنشَقُ
أخذ الفقه الحنبلي وشقيقه – منارة العلم والتقوى الشيخ محمد – عن علاَّمة الكويت الشيخ الدّحَيَّان، وكذا عن الشيخ عبد الوهاب العبد الله الفارس، والعربية عن جماعة آخرين، منهم: أحمد الحَرمي، كما كان عنده معرفةٌ ودربةٌ في الفقه الشَّافعي، لمراجعته الطويلة مع أحد طُلاَّب الشَّافِعيّة.
وأَوْلى السِّيرة والتَّاريخ والأدب عنايته؛ فأمعن النَّظر فيها؛ فأكسبه ذلك سعة الاطِّلاع.
ولم يعرف الكَلَل ولا الملل حتى بعد تقدُّمه في العمر. وأما معرفته بتاريخ الكويت وحوادثه وأمكنته فإليه المنتهى في ذلك.
كما عُرف عنه أنَّه من الشُّعراء المطبوعين، فكان الشعر سهل القياد له، وهو في غايةٍ من الحُسن وجمال السبك من غير كُلفةٍ، وكان يقوله في أغراضه المتعدّدة، كالمراثي والإخوانيات والمناسبات وغيرها.
تشرَّفت بمعرفة هذا العالِم الأديب، فكنت أزوره بين الفينة والأخرى، وواسطة العقد في ذلك شقيقه شيخنا الفقيه الجليل الشَّيخ محمد؛ وذلك حينما أردت أن أكتب عن علاَّمة الكويت الدّحيان؛ فتزوَّدت منه ببعض أخباره، وتكرَّرت زيارتي له:
كريمٌ إذا ما زُرْتَهُ زُرْتَ زاخراً *** لَهُ دُرُّ عِرْفانٍ يَمُوجُ وَيَنْدُرُ
وكنت أزوره أحياناً مع الشَّيخ أحمد الغنَّام الرَّشيد، الذي كان يستنطقه ليسمع من فيض علمه، ودُرر كلمِه، أو شيئاً من شعره، أو يسأله عن معنى بيتٍ أو تاريخ، أو مكانٍ من أمكنة الكويت، أو وَقْعةٍ تاريخيَّة لها.
وفي إحدى المرَّات طلب منِّي أستاذنا الدكتور عبد الله المحارب أن نزوره؛ فذهبت بصحبته له، فقد أراد أن يسأله عن بعض أشعار والده الشيخ حمد المحارب، وكانت الزيارة له في المسجد الذي يجلس فيه جُلَّ وقته، وهو مسجد أبو بكر الصدِّيق في ضاحية عبد الله السالم.
كما أنَّ جمعاً من الشعراء وشُداة الأدب يزورونه ليراجع لهم شعرهم؛ فإن أجازه نشروه، وكان في قديم أمره يجتمع حوله في دَّكانه طائفة من محبِّيه من أهل العلم والأدب، فمحلّه دوحة أدبيَّة وسفينة شعرية.
وكان مَنْطقه على قلَّته يُسرُّ به من سمعه ويسعد بلطفه وأدبه جليسه، ويودّ لو أطال في كلامه؛ فإنّ حديثه ومساجلته السحر الحلال، والمورد الزُّلال؛ تنثال منه الكلمات بانسجامٍ ورقَّةٍ وعذوبة.
ومَنْ خالطه وعرفه عَلِمَ أنَّه كان أديباً وشاعراً قَلَّ نظيره، ولكن بكل أسف لم يترك كتاباً أو ديواناً مِن بعده، وقد جَمع شيئاً من أخباره وشعره الدكتور يعقوب الغنيم.
وأختم بما يدلُّ على جلال شعره وجمال نثره وعلو كعبه في ذلك، مما يدل حَقَّ الدِّلالة على أنه كان يمتلك ناصية الشعر والأدب.
قَدْ راوَدُوكَ على القَضَا إذْ لم يَكُنْ |
السيرة والتاريخ والتراجم, متنوعة
8