القرآن المكي هو الآيات والسور التي نزلت بمكة قبل الهجرة، فالهجرة هي الفاصل بين ما عرف بالقرآن المكي والقرآن المدني أو الآيات المكية والآيات المدنية. وقد استمرت المدة التي نزلت فيها الآيات في مكة ثلاثة عشر عاماً.
عرض الرسول ﷺ نفسه على القبائل: لم يعد لدى رسول الله ﷺ أي أمل في أن تكون مكة مركز الدعوة، وكان عليه أن يفتش عن مكان آخر، وعن قوم آخرين - غير قريش - يقومون بحمايته حتى يبلغ دعوته.
وفي الموسم الذي أراد الله فيه للدعوة أن تتبين الطريق إلى قاعدة الانطلاق، إلى المكان الذي يأزر الإيمان إليه، كان الرسول ﷺ جاهداً ينتقل من جماعة إلى أخرى ومن قوم إلى آخرين يعرض أمره ويدعو إلى الله، ويطلب النصرة لتبليغ أوامره. .
وجاء الموسم من العام المقبل، فلقي الرسول ﷺ من أهل يثرب اثنا عشر رجلاً، منهم خمسة كانوا ممن أسلم والتقى به في الموسم السابق، فأسلموا وبايعوه على مثل بيعة النساء، وكانوا عشرة من الخزرج واثنان من الأوس.
كان المسجد الحرام في مكة هو النادي الذي يجتمع فيه القوم، أما هنا في يثرب فلم يكن الأمر كذلك. وكان على أسعد بن زرارة أن يذهب بمصعب إلى مجالس القوم.
ومع حلول الموسم كان عدد المسلمين وافراً في يثرب، فلم يبق بيت إلا وفيه مسلمون أو فيه حديث عن الإسلام. وتذكر هؤلاء حال الرسول ﷺ في مكة فقالوا: حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ فعزم عدد منهم على الحج مع قومهم وكان عددهم يربو على السبعين. وكان مصعب بن عمير قد سبقهم راجعاً إلى مكة يحمل معه بشرى الخير.
أفقرت مكة من أهلها المسلمين، ولم يبق إلا الرسول ﷺ وأبو بكر وعلي، ومن حُبس ومنع من الخروج، واستأذن أبو بكر يريد الهجرة فقال له ﷺ: (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا). وطمع أبو بكر أن يكون هذا الصاحب هو رسول الله ﷺ فاسترى راحلتين استعداداً للسفر المتوقع. كما كان تأخر علي بأمر منه ﷺ.
وفتحت قريش أعينها للواقع الجديد فإذا المسلمون قد نزلوا داراً وأصبح لهم إخوان أصابوا بهم منعة، وإذا رسول الله ﷺ قد أصبح له شيعة وأنصار، وبلد يأوي إليه. فخافوا خروجه إليهم وأن يقوى أمره بهم فربما جمع لحربهم. . . ومرت بأذهانهم أيام وأيام نالوا فيها من المسلمين كما نالوا من رسول الله، إنها ثلاثة عشر عاماً، صبر فيها هو وأصحابه على البلاء والتكذيب. . . وكانت لهم جولات وجولات. . . ولئن قاتلهم فلن يلومه أحد. .
كان ﷺ قد مضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في ظهر بيته ثم اتجها إلى غار بجبل ثور فدخلاه. وطلع الصباح. . .
ركب رسول الله ﷺ راحته بعد أن أصر على أخذها بثمنها وركب أبو بكر راحلته وأردف خلفه غلامه عامر بن فهيرة ليخدمهما وركب الدليل راحلته وانطلق الركب في رعاية الله وحماة، بعد أن التفت رسول الله ﷺ إلى مكة وقال: (والله إنك لأحب أرض الله إلي، وإنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك) (2).