استقر ﷺ في المدينة بعد عودته من حجة الوداع فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم - حيث بدأت السنة الحادية عشرة للهجرة - وصفر. وفي آخره ندب الناس لغزو الروم. ودعا أسامة فقال: (سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش. . . وأسرع المسير تسبق الخبر، فإن ظفرك الله بهم فأقل اللبث فيهم).
لما دخل شهر ذي القعدة من العام العاشر للهجرة، أعلن رسول الله ﷺ عزمه على الحج، وأمر الناس بالجهاز له، وأمرهم أن يلقوه، فاجتمع بالمدينة بشر كثير ممن كان حولها يريدون مصاحبته ﷺ . وخرج ﷺ من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة وقدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة، وصحبه في حجته جميع نسائه.
عن أيوب بن بشير أن النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ: (أفيضوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَيْهِمْ)، ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه، ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: (يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والأنصار على هيأتعا لا تزيد، وإنهم عيبتي (1)، التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، ونجاوزوا عن مسيئتهم)، ثم قال عليه السلام: (أيها الناس، إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا، بين ما عند الله فاختار ما عند الله)، ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأموالنا، فقال رسول الله ﷺ : على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان نت بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحداً عندي أفضل في الصحبة منه) (2).
كان ﷺ يشعر بدنو أجله، وكانت بعض أحاديثه تشعر بعض الصحابة رضي الله عنهم بذلك، فقد رأينا قوله لمعاذ حيث بعثه إلى اليمن: (يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري)، فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله ﷺ.