نُقِرُّكم ما أَقَرَّكم الله

نُقِرُّكم ما أَقَرَّكم الله

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ» فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي القَاسِمِ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ

[صحيح] [رواه البخاري]

الشرح

لما أذى أهل خيبر عبد الله بن عمر وسحبوا أطرافه، خطب عمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نترككم ما قدر الله لنا أن نترككم فإذا شئنا أخرجناكم، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى خيبر ليأخذ ماله، فاعتدوا عليه في الليل وأذوه في مفاصل يده أو رجله، وكأنها قد زالت عن مواضعها بالسحب، وليس لنا عدو غير اليهود في خيبر، فهم عدوُّنا وهم الذين نتهمهم بذلك، وقد رأيتُ أن أخرجهم من أرضهم، فلما عزم عمر على إخراجهم، جاءه أحد بني أبي الحُقَيق، فقال: يا أمير المؤمنين، هل تخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاملنا على الأموال وشرط لنا إقرارنا في أوطاننا، فرد عليه عمر: هل تظنني نسيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تجري بك ناقتك ليلةً بعدَ ليلةً، فقال: كانت هذ مزحة من أبي القاسم، فرد عليه عمر: كذبت يا عدو الله، فأخرجهم عمر من أوطانهم، وأعطاهم قيمة ثمرهم مالًا وإبلًا وعروضًا من محامل الدواب وحِبَال وغير ذلك.

معاني الكلمات

فَدَع الفدع زيغ بين القدم وبين عظم الساق.

إجلاءهم إخراجهم وإبعادهم عنها.

قلوصك الناقة الصابرة على السير.

أقتاب جمع قتب، وهو ما يوضع على الدابة للركوب.

فوائد الحديث

عمر رضي الله تعالى عنه أجلى يهود خيبر عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقين دينان بأرض العرب).

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أقرهم على سلامة في أنفسهم، ولا حق لهم في الأرض، واستأجرهم على المساقاة ولهم شطر الثمر الناتج، فلذلك أعطاهم عمر رضي الله تعالى عنه، قيمة شطر الثمر لتلك السنة من إبل وأقتاب، وحبال، ولم يكن لهم في أصل الأرض شيء.

الدليل على أن العداوة توجب المطالبة بالجنايات، كما طالبهم عمر بفدعهم ابنه.

أن المزارع إذا كرهه رب الأرض لجناية بدت منه أن له أن يخرجه بعد أن يبتدئ في العمل، ويعطيه فيما عمله ونصيبه، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه.

جواز العقد مشاهرة ومسانهة.

أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله محمولة على الحقيقة على وجهها من غير عدول، حتى يقوم دليل المجاز والتعريض.

التصنيفات

أحكام أهل الذمة

المراجع

صحيح البخاري (3/ 192) (2730)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 305)، الغريبين في القرآن والحديث (5/ 1422)، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص340)، فتح الباري لابن حجر (5/ 328).