قال ابن هشام: وقد كان رسول الله ﷺ بعث إلى الملوك رسلا من أصحابه، وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى الإسلام.
قال ابن هشام: حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال: بلغني أن رسول الله ﷺ خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية، فقال: أيها الناس، إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم، فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ قال: دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلم، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل، فشكا ذلك عيسى إلى الله، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها.
(أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم) :
فبعث رسول الله ﷺ رسلا من أصحابه، وكتب معهم كتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام. فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، ملك الروم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، ملك فارس، وبعث عمرو ابن أمية الضمري إلى النجاشي، ملك الحبشة، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، ملك الإسكندرية، وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياد ابني الجلندى الأزديين، ملكي عمان، وبعث سليط بن عمرو، أحد بني عامر ابن لؤي، إلى ثمامة بن أثال، وهوذة بن علي الحنفيين، ملكي اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي، ملك البحرين، وبعث شجاع ابن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، ملك تخوم الشام.
قال ابن هشام: بعث شجاع بن وهب إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري، ملك اليمن.
قال ابن هشام: أنا نسيت سليطا وثمامة وهوذة والمنذر.
(رواية ابن حبيب عن بعث الرسول رسله) :
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري: أنه وجد كتابا فيه ذكر من بعث رسول الله ﷺ إلى البلدان وملوك العرب والعجم، وما قال لأصحابه حين بعثهم. قال: فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه، وفيه: أن رسول الله ﷺ خرج على أصحابه فقال لهم: إن الله بعثني رحمة وكافة، فأدوا عني يرحمكم الله، ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم، قالوا: وكيف يا رسول الله كان اختلافهم؟ قال: دعاهم لمثل ما دعوتكم له، فأما من قرب به فأحب وسلم، وأما من بعد به فكره وأبى، فشكا ذلك عيسى منهم إلى الله، فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم.
بعث رسول الله – ﷺ – دحية بن خليفة الكلبي. وهو أحد الستة. إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إليه وهو يومئذ بحمص. وقيصر يومئذ ماش في نذر كان عليه: إن ظهرت الروم على فارس أن يمشي حافيا من قسطنطينية إلى إيلياء فقرأ الكتاب وأذن لعظماء الروم في دسكرة له بحمص فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد. وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى ابن مريم؟ قالت الروم:
وما ذاك أيها الملك؟ قال: تتبعون هذا النبي العربي. قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش وتناحزوا ورفعوا الصليب. فلما رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخافهم على نفسه وملكه فسكنهم ثم قال: إنما قلت لكم ما قلت أختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم. فقد رأيت منكم الذي أحب. فسجدوا له.
قالوا: وبعث رسول الله – ﷺ – عبد الله بن حذافة السهمي. وهو أحد الستة.
إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا. قال عبد الله: فدفعت إليه كتاب رسول الله – ﷺ – فقرئ عليه. ثم أخذه فمزقه. فلما بلغ ذلك رسول الله – ﷺ – قال:
اللهم مزق ملكه! وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني بخبره. فبعث باذان قهرمانه ورجلا آخر وكتب معهما كتابا. فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي – ﷺ –
فتبسم رسول الله – ﷺ – ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد وقال: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد. فجاءاه من الغد. فقال لهما:
أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها. وهي ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع. وأن الله.
تبارك وتعالى. سلط عليه ابنه شيرويه فقتله. فرجعا إلى باذان بذلك فأسلم هو والأبناء الذين باليمن.
وبعث رسول الله – ﷺ – حاطب بن أبي بلتعة اللخمي. وهو أحد الستة. إلى المقوقس صاحب الإسكندرية عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام وكتب كتابا. فأوصل إليه كتاب رسول الله – ﷺ – فقرأه وقال له خيرا. وأخذ الكتاب فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته. وكتب إلى النبي. ص: قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسولك. وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم. وقد أهديت لك كسوة وبغلة تركبها. ولم يزد على هذا ولم يسلم. فقبل رسول الله – ﷺ – هديته. وأخذ الجاريتين مارية أم إبراهيم ابن رسول الله – ﷺ – وأختها سيرين وبغلة بيضاء لم يكن في العرب يومئذ غيرها وهي دلدل. و [قال رسول الله. ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه. قال حاطب] :
كان لي مكرما في الضيافة وقلة اللبث ببابه. ما أقمت عنده إلا خمسة أيام.
قالوا: وبعث رسول الله – ﷺ – شجاع بن وهب الأسدي. وهو أحد الستة. إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا. قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق. وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر. وهو جاء من حمص إلى إيلياء. فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله – ﷺ – إليه. فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا. وجعل حاجبه. وكان روميا اسمه مرى. يسألني عن رسول الله – ﷺ – فكنت أحدثه عن صفة رسول الله.
وما يدعو إليه. فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي – ﷺ – بعينه فأنا أؤمن به وأصدقه وأخاف من الحارث أن يقتلني. وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه. فأذن لي عليه. فدفعت إليه كتاب رسول الله – ﷺ – فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته. علي بالناس! فلم يزل يفرض حتى قام.
وأمر بالخيول تنعل. ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى. وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه. فكتب إليه قيصر: ألا تسير إليه واله عنه ووافني بإيلياء. فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا. فأمر لي بمائة مثقال ذهب. ووصلني مرى. وأمر لي بنفقة وكسوة وقال: أقرئ رسول الله – ﷺ – مني السلام.
فقدمت على النبي – ﷺ – فأخبرته. [فقال: باد ملكه! وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال. فقال رسول الله. صدق] . ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
قالوا: وكان فروة بن عمرو الجذامي عاملا لقيصر على عمان من أرض البلقاء.
فلم يكتب إليه رسول الله – ﷺ – فأسلم فروة وكتب إلى رسول الله – ﷺ – بإسلامه وأهدى له. وبعث من عنده رسولا من قومه يقال له مسعود بن سعد. فقرأ رسول الله.
ص. كتابه وقبل هديته. وكتب إليه جواب كتابه. وأجاز مسعودا باثنتي عشرة أوقية ونش. وذلك خمسمائة درهم.
قالوا: وبعث رسول الله – ﷺ – سليط بن عمرو العامري. وهو أحد الستة. إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا. فقدم عليه وأنزله وحباه.
وقرأ كتاب النبي – ﷺ – ورد ردا دون رد. وكتب إلى النبي. ص: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله. وأنا شاعر قومي وخطيبهم. والعرب تهاب مكاني. فاجعل لي بعض الأمر أتبعك. وأجاز سليط بن عمرو بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر. فقدم بذلك كله على النبي – ﷺ – وأخبره عنه بما قال. وقرأ كتابه وقال: [لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت. باد وباد ما في يديه!] فلما انصرف من عام الفتح جاءه جبريل فأخبره أنه قد مات.
قالوا: وبعث رسول الله – ﷺ – عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جيفر وعبد ابني الجلندى. وهما من الأزد. والملك منهما جيفر. يدعوهما إلى الإسلام. وكتب معه إليهما كتابا وختم الكتاب. قال عمرو: فلما قدمت عمان عمدت إلى عبد. وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا. فقلت: إني رسول رسول الله – ﷺ –
إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك. وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك. فمكثت أياما ببابه. ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختوما. ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره. ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته. إلا أني رأيت أخاه أرق منه. فقال: دعني يومي هذا وارجع إلي غدا. فلما كان الغد رجعت إليه. قال: إني فكرت فيما دعوتني إليه. فإذا أنا أضعف العرب إذا ملكت رجلا ما في يدي. قلت: فإني خارج غدا. فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إلي. فدخلت عليه فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا وصدقا بالنبي – ﷺ – وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم. وكانا لي عونا على من خالفني. فأخذت الصدقة من أغنيائهم فرددتها في فقرائهم. فلم أزل مقيما فيهم حتى بلغنا وفاة رسول الله – ﷺ.
وبعث رسول الله – ﷺ – منصرفه من الجعرانة العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام وكتب إليه كتابا. فكتب إلى رسول الله – ﷺ – بإسلامه وتصديقه. وإني قد قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه. ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إلي في ذلك أمرك. فكتب إليه رسول الله. ص: «إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية» . وكتب رسول الله – ﷺ – إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام. فإن أبوا أخذت منهم الجزية.
وبأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم. وكان رسول الله – ﷺ – بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه به خيرا.
وكتب رسول الله – ﷺ – للعلاء فرائض الإبل والبقر والغنم والثمار والأموال.
فقرأ العلاء كتابه على الناس وأخذ صدقاتهم.
قال: أخبرنا الهيثم بن عدي الطائي قال: أنبأنا مجالد بن سعيد وزكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي قال: كان رسول الله – ﷺ – يكتب كما تكتب قريش باسمك اللهم. حتى نزلت عليه: «اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها» هود: 41.
فكتب بسم الله. حتى نزلت عليه: «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» الإسراء:
110. فكتب بسم الله الرحمن. حتى نزلت عليه: «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» النمل: 30. فكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: أخبرنا الهيثم بن عدي قال: أخبرنا دلهم بن صالح وأبو بكر الهذلي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري قال: وحدثنا الحسن بن عمارة عن فراس عن الشعبي.
دخل حديث بعضهم في حديث بعض. أن رسول الله – ﷺ – قال لأصحابه: وافوني بأجمعكم بالغداة. وكان – ﷺ – إذا صلى الفجر حبس في مصلاه قليلا يسبح ويدعو. ثم التفت إليهم فبعث عدة إلى عدة وقال لهم: [انصحوا لله في عباده فإنه من استرعي شيئا من أمور الناس ثم لم ينصح لهم حرم الله عليه الجنة. انطلقوا ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى ابن مريم فإنهم أتوا القريب وتركوا البعيد فأصبحوا.
يعني الرسل. وكل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين أرسل إليهم. فذكر ذلك للنبي – ﷺ – فقال: هذا أعظم ما كان من حق الله عليهم في أمر عباده]. [السيرة النبوية لابن هشام 2/606 – 607، الطبقات الكبرى لابن سعد 1/198 – 202]