وكانت بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله (ﷺ) في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء، وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله ﷺ في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله ﷺ في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.
وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين.
وكان رسول الله ﷺ قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم، فهم من بين مفتون في دينه، ومن بين معذب في أيديهم، وبين هارب في البلاد فرارا منهم، منهم من بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة، وفي كل وجه، فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه ﷺ، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن الله عز وجل لرسوله ﷺ في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب، وإحلاله له الدماء والقتال، لمن بغى عليهم، عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، قول الله تبارك وتعالى:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [ 22: 39- 41]
ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [ 2: 193]
أَيْ حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [ 2: 193].
[السيرة النبوية لابن هشام 1/ 467 – 468]