القائمة الرئيسية

سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

الفترة المدنية
السنة الثامنة من الهجرة
سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة
629 - 630 ميلادي

قال ابن إسحاق: وقد بعث رسول الله ﷺ فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل، ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، فوطئ بني جذيمة، فأصاب منهم.

قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب: سليم بن منصور، ومدلج بن مرة، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد أسلموا.

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة، قال:

لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جخدم: ويلكم يا بني جذيمة! إنه خالد والله! ما بعد وضع السلاح إلا الإسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا. قال: فأخذه رجال من قومه، فقالوا: يا جحدم، أتريد أن تسفك دماءنا؟ إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح، ووضعت الحرب، وأمن الناس. فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم السلاح لقول خالد.

قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك، فكتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله ﷺ، رفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.

(غضب الرسول مما فعل خالد وإرساله عليا) :

قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي، قال: قال رسول الله ﷺ: رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها، فأدخل علي يده فنزعه، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، هذه سرية من سراياك تبعثها، فيأتيك منها بعض ما تحب، ويكون في بعضها اعتراض، فتبعث عليا فيسهله.

قال ابن هشام: وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله ﷺ، فأخبره الخبر، فقال رسول الله ﷺ: هل أنكر عليه أحد؟ فقال: نعم، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة، فنهمه خالد، فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب، فراجعه، فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر بن الخطاب: أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله، وأما الآخر فسالم، مولى أبي حذيفة.

قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال:

يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك.

فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله ﷺ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني. أعطيكم هذه البقية من هذا المال، احتياطا لرسول الله ﷺ، مما يعلم ولا تعلمون، ففعل. ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فأخبره الخبر: فقال أصبت وأحسنت! قال: ثم قام رسول الله ﷺ فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، ثلاث مرات.

(معذرة خالد في قتال القوم) :

قال ابن إسحاق: وقد قال بعض من يعذر خالدا إنه قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي، وقال: إن رسول الله ﷺ قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام.

(ما كان بين خالد وبين عبد الرحمن وزجر الرسول لخالد) :

قال ابن إسحاق: وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة: يا بني جذيمة، ضاع الضرب، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه. قد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف، فيما بلغني، كلام في ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عوف: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام. فقال: إنما ثأرت بأبيك. فقال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر. فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال: مهلا يا خالد، دع عنك أصحابى، فو الله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته.

(ما كان بين قريش وبني جذيمة من استعداد للحرب ثم صلح) :
وكان الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعوف بن عبد مناف ابن عبد الحارث بن زهرة، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجارا إلى اليمن، ومع عفان ابنه عثمان، ومع عوف ابنه عبد الرحمن، فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر، كان هلك باليمن، إلى ورثته، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت، فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه، وقاتلوه، فقتل عوف بن عبد عوف، والفاكه بن المغيرة، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة، ومال عوف بن عبد عوف، فانطلقوا به، وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه، فهمت قريش بغزو بني جذيمة، فقالت بنو جذيمة: ما كان مصاب أصحابكم عن ملإ منا، إنما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش ذلك، ووضعوا الحرب. [السيرة النبوية لابن هشام 2/428 – 432]

الدروس المستفادة

    • تعظيم قيمة الدم وحرمة إراقته بلا حق، فقد تبرأ النبي من دمائهم وفدي دمائهم مواساة لهم).
    • عدم عصمة الصحابة: فقد وقع كثير من الصحابة الأجلاء في خطايا لأنهم ليسوا معصومين من الخطأ والذلل والدماء الخطأ في الحروب التي خاضوها لأجل دين الله
    • تعظيم النبي لقدر الصحابة ووفائه لجهادهم في سبيل الله ويبدو ذلك في خطابه لخالد بعد مشادة مع عبد الرحمن بن عوف على قتل الأسرى.
    • سبر النبي لنوايا قادته وعلمه بحقيقة أفعالهم، ولو علم صلى الله عليه وسلم أن خالدا قتل أحدا من بني جذيمة لغير وجه الله، لاقتص منه، ولكنه أولاه سرايا لاحقة، وعامله بمن اجتهد فأخطأ وتبرأ من فعلته ليتعلم الجميع حرمة الدماء عند الله.
    • تفقه صحابة رسول الله، وقد فهموا أن أفراد القبيلة اختلط عليهم ولم يحسنوا القول ولكنهم أسلموا، رغم قولهم صبأنا، بخلاف خالد بن الوليد الذي أوّل موقفهم بأنه إصرار على الكفر وحرب للمسلمين.
    • جهاد الصحابة المتواصل وزودهم بأرواحهم عن حياض هذا الدين؛ فقد شهد العام الثامن الهجري سلسلة كبيرة من السرايا لدعوة القبائل للإسلام وهدم الأصنام وكانت تخرج بلا هوادة لاغتنام فرصة فتح مكة ومنع تحالف المشركين.