ثم خرج رسول الله ﷺ حين انصرف عن الطائف على دحنا [3] حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس، ومعه من هوازن سبي كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف: يا رسول الله، ادع عليهم، فقال رسول الله ﷺ: اللهم اهد ثقيفا وأت بهم.
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة، وكان مع رسول الله ﷺ من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإبل والشاء ما لا يدرى ما عدته.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو: أن وفد هوازن أتوا رسول الله ﷺ وقد أسلموا، فقالوا:
يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا، من الله عليك. قال: وقام رجل من هوازن، ثم أحد بني سعد بن بكر، يقال له زهير، يكنى أبا صرد، فقال: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر، أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين.
قال ابن هشام: ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر، أو النعمان ابن المنذر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، قال: فقال رسول الله ﷺ: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله، خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحب إلينا، فقال لهم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله ﷺ بالناس الظهر، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به، فقال رسول الله ﷺ: وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله ﷺ. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله ﷺ.
فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم:
بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله ﷺ.
قال: يقول عباس بن مرداس لبني سليم: وهنتموني فقال رسول الله ﷺ: أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض، من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي: أن رسول الله ﷺ أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه.
قال ابن إسحاق: فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح، ليصلحوا لي منها، ويهيئوها، حتى أطوف بالبيت، ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها. قال: فخرجت من المسجد حين فرغت، فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله ﷺ نساءنا وأبناءنا، فقلت: تلكم صاحبتكم في بني جمح، فاذهبوا فخذوها، فذهبوا إليها، فأخذوها.
قال ابن إسحاق: وأما عيينة بن حصن، فأخذ عجوزا من عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها. فلما رد رسول الله ﷺ السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك، فو الله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد، ولا درها بماكد. فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال، فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك، فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء غريرة، ولا نصفا وثيرة. [السيرة النبوية لابن هشام 2/488 – 490]
فلما أُخبر مالك بذلك، أمر براحلته فهُيئت له، ثم خرج من الطائف ليلًا، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة، وقيل: بمكة، فأسلم وحسن إسلامه، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل