القائمة الرئيسية

مؤامرة اغتيال الرسول ﷺ من عمير بن وهب الجمحي

مؤامرة اغتيال الرسول ﷺ من عمير بن وهب الجمحي

الفترة المدنية
السنة الثانية من الهجرة
مؤامرة اغتيال الرسول ﷺ من عمير بن وهب الجمحي
623 - 624 ميلادي

عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله ﷺ وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر.

قال ابن هشام: أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق.

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير، قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم، قال: فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم شأني وشأنك، قال: أفعل.

قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر.

ثم دخل عمر على رسول الله ﷺ فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه، قال: فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله ﷺ فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله ﷺ فلما رآه رسول الله ﷺ، وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: انعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله ﷺ: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام: تحية أهل الجنة: فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد، قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا؟ قال: اصدقني، ما الذي جئت له؟ قال:

ما جئت إلا لذلك، قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك، قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله ﷺ: فقهوا أخاكم في دينه. وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ففعلوا.

ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وأنا أحب أن تأذن لي، فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله ﷺ، وإلى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم؟ قال: فأذن له رسول الله ﷺ، فلحق بمكة. وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير ابن وهب، يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام، تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا.

قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة، أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير.

قال ابن إسحاق: وعمير بن وهب، أو الحارث بن هشام، قد ذكر لي أحدهما، الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر، فقال: أين، أي سراق؟ ومثل عدو الله فذهب، فأنزل الله تعالى فيه. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [8: 48]. فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم، حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ [8: 48 ] ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة، قد أيد الله بهم رسوله ﷺ والمؤمنين على عدوهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ [ 8: 48].

وصدق عدو الله، رأى ما لم يروا، وقال:إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَالله شَدِيدُ الْعِقابِ8: 48. فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر، والتقى الجمعان نكص على عقبيه، فأوردهم ثم أسلمهم. [السيرة النبوية لابن هشام 1/661 – 663].

الدروس المستفادة

    • حفظ الله لأوليائه حقيقة واقعة مشاهدة لا تغيب عن العين، ولكن هذا الحفظ من الله للعبد يكون على قدر تقوى العبد لله وحفظه لحدوده سبحانه وتعالى، وقد قال النبي ﷺ لابن عباس رضي الله عنهما "احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك"
    • (سبحان مقلب القلوب) خرج عمير بن وهب من مكة يحمله الغيظ والتلمظ ورغبة الانتقام من النبي ﷺ، ثم يخرج من عند النبي ﷺ واحداً ممن يفدونه بدمهم بعد أن صدع للحق وأزال ما كان في قلبه من كفر وعناد
    • ((لا يحيق المكر السيء إلا بأهله)) وقد يكون في محاربة الدعوة ترويج لها ونشر لها ولمعالمها وأصولها، فقد خرج عُمير يريد قتل رسول الله ﷺ وما رجع إلا وهو من جند الله، وكان سبب خروجه تحفيز صفوان بن أمية الذي أراد التشفي والانتقام من سيدنا رسول الله ﷺ.
    • من اهما أسباب استمالة القلوب، الرفق بالمدعو وإشعاره بالأمان والسماع منه، فإن الجفوة لا تزيده إلا بعدا وإعراضا، تأمل قول النبي ﷺ الحكيم الحليم لعمر رضي الله عنه "أرسله يا عمر .... أدن يا عمير"