×

مقتل حمزة

مقتل حمزة

الفترة المدنية
السنة الثالثة من الهجرة
مقتل حمزة
624 - 625 ميلادي

وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع ابن عبد العزى الغبشاني، وكان يكنى بأبي نيار، فقال له حمزة: هلم إلي يا بن مقطعة البظور- وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي.

(قال ابن هشام: شريق بن الأخنس بن شريق) وكانت ختانة بمكة- فلما التقيا ضربه حمزة فقتله.

قال وحشي، غلام جبير بن مطعم: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق به شيئا، مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فقال له حمزة: هلم إلي يا بن مقطعة البظور، فضربه ضربة، فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغلب فوقع، وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، أخو بني نوفل بن عبد مناف، في زمان معاوية بن أبي سفيان، فأدربنا مع الناس، فلما قفلنا مررنا بحمص- وكان وحشي، مولى جبير بن مطعم، قد سكنها، وأقام بها- فلما قدمناها، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله؟

قال: قلت له: إن شئت. فخرجنا نسأل عنه بحمص، فقال لنا رجل، ونحن نسأل عنه: إنكما ستجدانه بفناء داره، وهو رجل قد غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا، وتجدا عنده بعض ما تريدان، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه، وإن تجداه وبه بعض ما يكون به، فانصرفا عنه ودعاه، قال: فخرجنا نمشي حتى جئناه، فإذا هو بفناء داره على طنفسة له، فإذا شيخ كبير مثل البغاث.

– قال ابن هشام: البغاث: ضرب من الطير إلى السواد فإذا هو صاح لا بأس به. قال: فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال: ابن لعدي بن الخيار أنت؟ قال: نعم، قال: أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها، فأخذتك بعرضيك، فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها، فو الله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما. قال: فجلسنا إليه، فقلنا له: جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة، كيف قتلت؟ فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله ﷺ حين سألني عن ذلك، كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق قال: فخرجت مع الناس، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئا، فلما التقى الناس خرجت انظر حمزة وأ تبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هدا، ما يقوم له شيء، فو الله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: هلم إلي يا بن مقطعة البظور. قال: فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه. قال: وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق. فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله ﷺ مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله ﷺ ليسلموا تعيت علي المذاهب، فقلت: ألحق بالشأم، أو اليمن، أو ببعض البلاد، فو الله إني لفي ذلك من همي، إذ قال لي رجل: ويحك! إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، وتشهد شهادته فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله ﷺ المدينة، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال:

أوحشي؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة، قال: فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك. قال: فكنت أتنكب رسول الله ﷺ حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله ﷺ.

فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله ﷺ، وقد قتلت شر الناس.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان قد شهد اليمامة، قال: سمعت يومئذ صارخا يقول: قتله العبد الأسود.
قال ابن هشام: فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول: قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة. [السيرة النبوية لابن هشام 2/69 – 73]

الدروس المستفادة

    • كراهية الإنسان لمن يوصل أذى لقريبه فالمرء بطبيعة الحال يكره من أوصل أذى إلى قريبه، والإنسان إذا حصل أن إنسانا آذى قريبه، أو مثل هذا، قتل قريبه، فإن النفس لا تقبل أن ترى هذا الرجل، وعدم قبول النفس لرؤية هذا الرجل المؤذي للقريب لا ينافي حديثلا يحل لمسلم أن يهجر أخاه... فهذا شيء نفسي.
    • هدم الإسلام لما كان قبله فالنبي ﷺ ما قتل "وحشيا"، ولا اقتص منه، لما أسلم "وحشي" سقط عنه ما كان قبل ذلك.
    • وجوب الحذر في الحرب: -وأن الإنسان لا يحتقر أحداً، فربما كان "حمزةقد رأى "وحشياً" في ذلك اليوم، لكن ربما لم يأبه كثيراً لحال هذا الحبشي الجالس، مع أنه كان يعد له الكمين.
    • إتباع السيئة بالحسنة: -السعي لتعويض ما فات، وأن الإنسان إذ عمل ذنبا يعمل بعده طاعة، ولذلك "وحشي" لما قتل "حمزة" أراد أن يقتل شخصاً يكافئ بقتله "حمزة"، لعله تكون له عند الله -تعالى- سابقة تنفعه، ويعالج بها ما حصل من الندم في نفسه، فلما قتل "حمزة" ندم ندماً شديداً لما أسلم، فأراد أن يعالج هذا الذي حصل بقتل "مسيلمة". فالإنسان إذا سعى للتعويض، فإن الله يوفقه إلى ذلك، وهذا "وحشي" قد سعى لقتل "مسيلمة"، وفعلاً كان هو الذي قتله حقيقة.