×

عمرة القضاء

عمرة القضاء

الفترة المدنية
السنة السابعة من الهجرة
عمرة القضاء
628 - 629 ميلادي

قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان ورمضان وشوالا، يبعث فيما بين ذلك من غزوه وسراياه ﷺ. ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء، مكان عمرته التي صدوه عنها.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي

(سبب تسميتها بعمرة القصاص) :

ويقال لها عمرة القصاص، لأنهم صدوا رسول الله ﷺ في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول الله ﷺ منهم، فدخل مكة في ذي القعدة، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه، من سنة سبع.

وبلغنا عن ابن عباس أنه قال: فأنزل الله في ذلك: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [2: 194].

(خروج المسلمين الذين صدوا أولا معه) :

قال ابن إسحاق: وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة.

(سبب الهرولة بين الصفا والمروة) :

قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس، قال: صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله ﷺ المسجد اضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة، ثم استلم الركن، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الركن اليماني، مشى حتى يستلم الركن الأسود، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف، ومشى سائرها. فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم. وذلك أن رسول الله ﷺ إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها، فمضت السنة بها.

(إرسال قريش حويطبا إلى الرسول يطلب منه الخروج من مكة) :

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله ﷺ بمكة ثلاثا، فأتاه حويطب ابن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله ﷺ من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال النبي ﷺ: وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا. فخرج رسول الله ﷺ، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف، فبنى بها رسول الله ﷺ هنالك، ثم انصرف رسول الله ﷺ إلى المدينة في ذي الحجة.

قال ابن هشام: فأنزل الله عز وجل عليه، فيما حدثني أبو عبيدة:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ 48: 27 ] يعني خيبر. [السيرة النبوية لابن هشام 2/370 – 373]

الدروس المستفادة

  • التسليمَ لأمرِ اللهِ ورسولِه فيه كلُّ الخيرِ.
  • ليس في البشر أظلم ممن صد عن بيت من بيوت الله، وأعرض عن ذكر الله تعالى، وهذا الظلم قد ذكره الله في القرآن في قوله:
 
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
[البقرة 114]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}
[الكهف 57]
فصار الظلم ظلمين ظلم الصد وظلم الإعراض، واجتمعا في كفار قريش، فمن أظلم من قريش في جميع العصور!!.
    • الكافر لا يستطيع تحمل الحق ولا النظر إليه، فقد يقذف في قلبه الرعب كما جعل على بصره غشاوة.
    • جواز التصالح مع المشركين فيما لا يمس الدين بنقص، ولو بالنزول على حكم الخصم إن كان فيه مصلحة مرجوة ولو بعد حين.
    • تقدير المصالح والمفاسد وتقديم أعظم المصلحتين وأخف المفسدتين أمر يقوم عليه معظم ركائز الدين، كما في محو النبي ﷺ لـ: "رسول الله" في صحيفة العهد، فقدم المصلحة الكبرى على المفسدة التي لا تعدو كونها كلاما يمحى أما الحقيقة فهو رسول الله ﷺ.
    • تعدد الوسائل في الحرب ومجابهة العدو أمر لا ينبغي إغفاله بحال، فقد تعددت في هذه العمرة أمور كشعر ابن رواحة فلهو أسرع فيهم من نضح النبل، والعرض القوي أثناء الطواف ليرى المشركون قوة من أنهكتهم حمى يثرب، وغير ذلك.
    • لا يضر الحق ضارٌّ ما دام كذلك فرسول الله -ﷺ- لم يضره محو اسم رسالته، ولا محو اسم الرحمن من الصحيفة.
    • صدق الرؤى والأحلام أحياناً وتوقع ما فيها وتعبيرها أمر حق، وقد كانت هذه العمرة تصديقاً لرؤيا رآها رسول الله -ﷺ-. يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم، إذ لابد من الحيطة والحذر من غدر الأعداء، فقد اصطحب النبي - ﷺ - معه السلاح الكامل، ولم يقتصر على السيوف تحسبًا لكل طارئ قد يقع، خاصة أن المشركين في الغالب لا يحافظون على عهد قطعوه، ولا عقد عقدوه.