(فلول ثقيف) :
ولما قدم فَل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال.
(المتخلفون عن حنين والطائف) :
ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود، ولا غيدن بن سلمة، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.
(مسير الرسول إلى الطائف):
ثم سار رسول الله ﷺ إلى الطائف حين فرغ من حنين.
قال ابن إسحاق: فسلك رسول الله ﷺ على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية، فابتنى بها مسجدا فصلى فيه.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب: أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء، حين نزلها، بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فقتله به، وأمر رسول الله ﷺ، وهو بلية، بحصن مالك بن عوف فهدم، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة، فلما توجه فيها رسول الله ﷺ سأل عن اسمها، فقال: ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليسرى، ثم خرج منها على نخب، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة، قريبا من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله ﷺ: إما أن تخرج، وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن يخرج، فأمر رسول الله ﷺ بإخرابه. ثم مضى رسول الله ﷺ حتى نزل قريبا من الطائف، فضرب به عسكره، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة.
قال ابن هشام: ويقال سبع عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: ومعه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية.
فضرب لهما قبتين، ثم صلى بين القبتين. ثم أقام، فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله ﷺ عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا، وكانت في ذلك المسجد سارية، فيما يزعمون، لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض، فحاصرهم رسول الله ﷺ، وقاتلهم قتالا شديدا، وتراموا بالنبل.
(الرسول أول من رمى بالمنجنيق) :
قال ابن هشام: ورماهم رسول الله ﷺ بالمنجنيق. حدثني من أثق به، أن رسول الله ﷺ أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق، رمى أهل الطائف.
(يوم الشدخة) :
قال ابن إسحاق: حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، دخل تفر من أصحاب رسول الله ﷺ تحت دبابة، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله ﷺ بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون.
(المفاوضة مع ثقيف) :
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف، فناد يا ثقيفا: أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما، وهما يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن آمنة بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة.
قال ابن هشام: ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود، فولدت له داود بن أبي مرة.
قال ابن إسحاق: والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة، لها عبد الرحمن ابن قارب، والفقيمية أميمة بنت الناسئ أمية بن قلع، فلما أبين عليهما، قال لهما ابن الأسود بن مسعود: يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما، وكان رسول الله ﷺ بينه وبين الطائف، نازلا بواد يقال له العقيق، إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء، ولا أشد مؤنة، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا، فكلماه فليأخذ لنفسه، أو ليدعه لله والرحم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله ﷺ تركه لهم.
(رؤيا الرسول وتفسير أبي بكر لها) :
وقد بلغني أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك، فهراق ما فيها. فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد.
فقال رسول الله ﷺ: وأنا لا أرى ذلك.
(ارتحال المسلمين وسبب ذلك) :
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان، قالت: يا رسول الله، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة، أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف.
فذكر لي أن رسول الله ﷺ قال لها: وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ فخرجت خويلة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله ﷺ، فقال (يا رسول الله): ما حديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أوما أذن لك فيهم يا رسول الله؟
قال: لا. قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى. قال: فأذن عمر بالرحيل.
(عيينة وما كان يخفي من نيته) :
فلما استقل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج: ألا إن الحي مقيم. قال: يقول عيينة بن حصن: أجل، والله مجدة كراما، فقال له رجل من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله ﷺ، وقد جئت تنصر رسول الله ﷺ! فقال:
إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مناكير.
ونزل على رسول الله ﷺ في إقامته ممن كان محاصرا بالطائف عبيد، فأسلموا، فأعتقهم رسول الله ﷺ.
(عتقاء ثقيف) :
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد الله بن مكدم، عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول الله ﷺ: لا، أولئك عتقاء الله، وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة. قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد.
(إطلاق أبي بن مالك من يد مروان) :
قال ابن إسحاق: وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي، وكان قد أسلم، وظاهر رسول الله ﷺ على ثقيف، فزعمت ثقيف، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس: أن رسول الله ﷺ قال لمروان بن قيس: خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه، فلقي أبي بن مالك القشيري، فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله، فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي، فكلم ثقيفا حتى أرسلوا أهل مروان، وأطلق لهم أبي بن مالك.
(شهداء المسلمين يوم الطائف) :
قال ابن إسحاق: وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله ﷺ يوم الطائف.
(من قريش) :
من قريش، ثم من بني أمية بن عبد شمس: سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية، وعرفطة بن جناب، حليف لهم، من الأسد بن الغوث.
قال ابن هشام: ويقال: ابن حباب.
قال ابن إسحاق: ومن بني تيم بن مرة: عبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم، فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله ﷺ.
ومن بني مخزوم: عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، من رمية رميها يومئذ.
ومن بني عدي بن كعب: عبد الله بن عامر بن ربيعة، حليف لهم.
ومن بني سهم بن عمرو: السائب بن الحارث بن قيس بن عدي، وأخوه عبد الله بن الحارث.
ومن بني سعد بن ليث: جليحة بن عبد الله.
(من الأنصار) :
واستشهد من الأنصار: من بني سلمة: ثابت بن الجذع.
ومن بني مازن بن النجار: الحارث بن سهل بن أبي صعصعة.
ومن بني ساعدة: المنذر بن عبد الله.
ومن الأوس: رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية.
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله ﷺ اثنا عشر رجلا، سبعة من قريش، وأربعة من الأنصار، ورجل من بني ليث. [السيرة النبوية لابن هشام 2/478 – 488]