قال محمد بن إسحاق: ثم أقام رسول الله ﷺ بالمدينة حين رجع من الحديبية، ذا الحجة وبعض المحرم، وولي تلك الحجة المشركون، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر.
(استعمال نميلة على المدينة) :
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت بيضاء.
(ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده) :
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وكان اسم الأكوع سنان: انزل يا بن الأكوع، فخذ لنا من هناتك – أي أخبارك وأمورك وأشعارك- قال:
فنزل يرتجز برسول الله ﷺ، فقال:
والله لولا الله ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا … وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا… وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله ﷺ: يرحمك الله، فقال عمر بن الخطاب: وجبت والله يا رسول الله، لو أمتعتنا به! فقتل يوم خيبر شهيدا، وكان قتله، فيما بلغني، أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل، فكلمه كلما شديدا، فمات منه، فكان المسلمون قد شكوا فيه، وقالوا: إنما قتله سلاحه، حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله ﷺ عن ذلك، وأخبره بقول الناس، فقال رسول الله ﷺ: إنه لشهيد، وصلى عليه، فصلى عليه المسلمون.
(دعاء الرسول لما أشرف على خيبر) :
قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن أبي معتب بن عمرو: أن رسول الله ﷺ لما أشرف على خيبر قال لأصحابه، وأنا فيهم: قفوا، ثم قال: اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله. قال: وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها.
(فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول) :
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله ﷺ إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار. فنزلنا خيبر ليلا، فبات رسول الله ﷺ، حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا، فركب وركبنا معه، فركبت خلف أبي طلحة، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله ﷺ، واستقبلنا عمال خيبر غادين، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول الله، ﷺ والجيش، قالوا: محمد والخميس معه! فأدبروا هرابا، فقال رسول الله ﷺ: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. قال ابن إسحاق: حدثنا هارون عن حميد، عن أنس بمثله.
(منازل الرسول في طريقه إلى خيبر) :
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر، فبنى له فيها مسجد، ثم على الصهباء، ثم أقبل رسول الله ﷺ بجيشه، حتى نزل بواد يقال له الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله ﷺ.
(غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذالهم) :
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله ﷺ من خيبر جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله ﷺ وبين خيبر.
(افتتاح رسول الله الحصون) :
وتدنى رسول الله ﷺ الأموال يأخذها مالا مالا، ويفتتحها حصنا حصنا، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه منه رحى فقتلته، ثم القموص، حصن بني أبي الحقيق، وأصاب رسول الله ﷺ منهم سبايا، منهن صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وبنتي عم لها، فاصطفى رسول الله ﷺ صفية لنفسه.
وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله ﷺ صفية، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين.
(نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء) :
وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها، فقام رسول الله ﷺ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبد الله بن أبي سليط، عن أبيه، قال: أتانا نهي رسول الله ﷺ عن أكل لحوم الحمر الإنسية، والقدور تفور بها، فكفأناها على وجوهها. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مكحول: أن رسول الله ﷺ نهاهم يومئذ عن أربع: عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تقسم. قال ابن إسحاق: وحدثني سلام بن كركرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، ولم يشهد جابر خيبر: أن رسول الله ﷺ حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر، أذن لهم في أكل لحوم الخيل. قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق مولى تجيب، عن حنش الصنعاني، قال: غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جربة، فقام فينا خطيبا، فقال: يا أيها الناس، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله ﷺ يقوله فينا يوم خيبر، قام فينا رسول الله ﷺ فقال: لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره، يعني إتيان الحبالى من السبايا، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه. قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، أنه حدث عن عبادة ابن الصامت، قال: نهانا رسول الله ﷺ يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالورق العين، وقال: ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين، وتبر الفضة بالذهب العين. قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله ﷺ يتدنى الحصون والأموال.
(شأن بني سهم الأسلميين) :
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله ﷺ، فقالوا: والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله ﷺ شيئا يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه.
(مقتل مرحب اليهودي) :
قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسول الله ﷺ من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول الله ﷺ بضع عشرة ليلة.
قال ابن هشام: وكان شعار أصحاب الرسول ﷺ يوم خيبر:
يا منصور، أمت أمت.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل، أخو بني حارثة، عن جابر بن عبد الله، قال: خرج مرحب اليهودي من حصنهم، قد جمع سلاحه، يرتجز وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب … شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب … إذا الليوث أقبلت تحرب
إن حماي للحمى لا يقرب
وهو يقول: من يبارز؟ فأجابه كعب بن مالك، فقال:
قد علمت خيبر أني كعب … مفرج الغمى جريء صلب
إذ شبت الحرب تلتها الحرب … معي حسام كالعقيق غضب
نطؤكم حتى يذل الصعب … نعطي الجزاء أو يفيء النهب
بكف ماض ليس فيه عتب
ال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن سهل، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: فقال رسول الله ﷺ: من لهذا؟ قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، فقال: فقم إليه، اللهم أعنه عليه. قال: فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة، فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها، فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله.
(مقتل ياسر أخي مرحب) :
قال ابن إسحاق: ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، وهو يقول: من يبارز؟
فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: يقتل ابني يا رسول الله! قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله. فخرج الزبير فالتقيا، فقتله الزبير. قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة: أن الزبير كان إذا قيل له: والله إن كان سيفك يومئذ لصارما عضبا، قال: والله ما كان صارما، ولكني أكرهته.
(شأن علي يوم خيبر) :
قال ابن إسحاق: وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه سفيان، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع، قال: بعث رسول الله ﷺ أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته، وكانت بيضاء، فيما قال ابن هشام، إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل، ثم رجع ولم يك فتح، وقد جهد، فقال رسول الله ﷺ: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار. قال: يقول سلمة، فدعا رسول الله ﷺ عليا رضوان الله عليه، وهو أرمد، فتفل في عينه، ثم قال: خذ هذه الراية، فامض بها حتى يفتح الله عليك.
قال: يقول سلمة: فخرج والله بها يأنح، يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يقول اليهودي: علوتم، وما أنزل على موسى، أو كما قال. قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، مولى رسول الله ﷺ، قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، حين بعثه رسول الله ﷺ برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح ترسه من يده، فتناول علي عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
(أمر أبي اليسر كعب بن عمرو) :
قال ابن إسحاق: وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو، قال: والله إنا لمع رسول الله ﷺ بخيبر ذات عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم، ونحن محاصروهم فقال رسول الله ﷺ: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ قال أبو اليسر: فقلت: أنا يا رسول الله، قال: فافعل، قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلي رسول الله ﷺ موليا قال: اللهم أمتعنا به، قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن، فأخذت شاتين من أخراها، فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت بهما أشتد، كأنه ليس معي شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله ﷺ. فذبحوهما فأكلوهما، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله ﷺ هلاكا، فكان إذا حدث هذا الحديث بكى، ثم قال: أمتعوا بي، لعمري، حتى كنت من آخرهم هلكا.
(أمر صفية أم المؤمنين) :
قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسول الله ﷺ القموص، حصن بني أبي الحقيق، أتي رسول الله ﷺ بصفية بنت حيي بن أخطب، وبأخرى معها، فمر بهما بلال، وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله ﷺ قال: أعزبوا عني هذه الشيطانة، وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله ﷺ قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله ﷺ لبلال، فيما بلغني، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟ وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، أن قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال:
ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها. فأتي بها رسول الله ﷺ وبها أثر منه، فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر.
(عقوبة كنانة بن الربيع) :
وأتي رسول الله ﷺ بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رسول الله ﷺ رجل من يهود، فقال لرسول الله ﷺ: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله ﷺ لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك، أأقتلك؟ قال: نعم، فأمر رسول الله ﷺ بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه، فأمر به رسول الله ﷺ الزبير بن العوام، فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره، حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله ﷺ إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.
(مصالحة الرسول أهل خيبر) :
وحاصر رسول الله ﷺ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل. وكان رسول الله ﷺ قد حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله ﷺ يسألونه أن يسيرهم، وأن يحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل. وكان فيمن مشى بين رسول الله ﷺ وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود، أخو بني حارثة، فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله ﷺ أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها، فصالحهم رسول الله ﷺ على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئا بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله ﷺ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
(مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول) :
قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن زيد، عن سالم، مولى عبد الله بن مطيع، عن أبي هريرة، قال: فلما انصرفنا مع رسول الله ﷺ من خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس، ومع رسول الله ﷺ غلام له، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي، ثم الضبيني.
قال ابن هشام: جذام، أخو لخم.
قال: فو الله إنه ليضع رحل رسول الله ﷺ إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله، فقلنا: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله ﷺ: كلا، والذي نفس محمد بيده، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر. قال: فسمعها رجل من أصحاب رسول الله ﷺ، فأتاه فقال: يا رسول الله، أصبت شراكين لنعلين لي، قال: فقال:
يقد لك مثلهما من النار.
(ابن مغفل وجراب شحم أصابه) :
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد الله بن مغفل المزني، قال:
أصبت من فيء خيبر جراب شحم، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي.
قال: فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلم هذا نقسمه بين المسلمين، قال: قلت: لا والله لا أعطيكه، قال: فجعل يجابذني الجراب. قال: فرآنا رسول الله ﷺ ونحن نصنع ذلك. قال:
فتبسم رسول الله ﷺ ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: لا أبا لك، خل بينه وبينه. قال: فأرسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه.
(تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه) :
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: لما انصرف رسول الله ﷺ من خيبر، فكان ببعض الطريق، قال من آخر الليل: من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟ قال بلال: أنا يا رسول الله أحفظه عليك. فنزل رسول الله ﷺ، ونزل الناس فناموا، وقام بلال يصلي، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي. ثم استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرمقه، فغلبته عينه، فنام، فلم يوقظهم إلا مس الشمس، وكان رسول الله ﷺ أول أصحابه هب، فقال: ماذا صنعت بنا يا بلال؟ قال:
يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: صدقت، ثم اقتاد رسول الله ﷺ بعيره غير كثير، ثم أناخ فتوضأ، وتوضأ الناس، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى رسول الله ﷺ بالناس، فلما سلم أقبل على الناس فقال: «إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها، فإن الله تبارك وتعالى يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[20: 14].
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله ﷺ، فيما بلغني، قد أعطى ابن لقيم العبسي، حين افتتح خيبر، ما بها من دجاجة أو داجن، وكان فتح خيبر في صفر.
(شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية) :
قال ابن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله ﷺ نساء من نساء المسلمين، فرضخ لهن رسول الله ﷺ من الفيء، ولم يضرب لهن بسهم.
قال ابن إسحاق: حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بن أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار، قد سماها لي، قالت: أتيت رسول الله ﷺ في نسوة من بني غفار، فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا، وهو يسير إلى خيبر، فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا، فقال: على بركة الله. قالت: فخرجنا معه، وكنت جارية حدثة، فأردفني رسول الله ﷺ على حقيبة رحله. قالت: فو الله لنزل رسول الله ﷺ إلى الصبح وأناخ، ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله ﷺ ما بي ورأى الدم، قال: مالك؟ لعلك نفست، قالت: قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء، فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك.
قالت: فلما فتح رسول الله ﷺ خيبر، رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها، وعلقها بيده في عنقي، فو الله لا تفارقني أبدا. قالت: فكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها. قالت:
وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت.
(شهداء خيبر من بني أمية) :
قال ابن إسحاق: وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين، من قريش، ثم من بني أمية بن عبد شمس، ثم من حلفائهم: ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد، وثقيف بن عمرو، ورفاعة ابن مسروح.
(من بني أسد) :
ومن بني أسد بن عبد العزى: عبد الله بن الهبيب، ويقال: ابن الهبيب، فيما قال ابن هشام، ابن أهيب بن سحيم بن غيرة، من بني سعد بن ليث، حليف لبني أسد، وابن أختهم.
(من الأنصار) :
ومن الأنصار ثم من بني سلمة: بشر بن البراء بن معرور، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله ﷺ: وفضيل بن النعمان. رجلان.
(من زريق) :
ومن بني زريق: مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق.
(من الأوس) :
ومن الأوس ثم من بني عبد الأشهل: محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث، حليف لهم من بني حارثة.
(من بني عمرو) :
ومن بني عمرو بن عوف: أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف، والحارث بن حاطب، وعروة بن مرة ابن سراقة، وأوس بن القائد، وأنيف بن حبيب، وثابت بن أثلة، وطلحة.
(من غفار) :
ومن بني غفار: عمارة بن عقبة، رمي بسهم.
(من أسلم) :
ومن أسلم: عامر بن الأكوع، والأسود الراعي، وكان اسمه أسلم.
قال ابن هشام: الأسود الراعي من أهل خيبر.
(من بني زهرة) :
وممن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري، من بني زهرة: مسعود بن ربيعة، حليف لهم من القارة.
(من الأنصار) :
ومن الأنصار بني عمرو بن عوف: أوس بن قتادة.
أمر الأسود الراعي في حديث خيبر
(إسلامه واستشهاده) :
قال ابن إسحاق: وكان من حديث الأسود الراعي، فيما بلغني: أنه أتى رسول الله ﷺ وهو محاصر لبعض حصون خيبر، ومعه غنم له، كان فيها أجيرا لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم- وكان رسول الله ﷺ لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه- فلما أسلم قال: يا رسول الله، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضرب في وجوهها، فإنها سترجع إلى ربها- أو كما قال- فقال الأسود، فأخذ حفنة من الحصى، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فو الله لا أصحبك أبدا، فخرجت مجتمعة، كأن سائقا يسوقها، حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، وما صلى لله صلاة قط، فأتي به رسول الله ﷺ، فوضع خلفه، وسجي بشملة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله ﷺ، ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا:
يا رسول الله، لم أعرضت عنه؟ قال: إن معه الآن زوجتيه من الحور العين. قال ابن إسحاق: وأخبرني عبد الله بن أبي نجيح أنه ذكر له: أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت (له) زوجتاه من الحور العين، عليه تنفضان التراب عن وجهه، وتقولان: ترب الله وجه من تربك، وقتل من قتلك.
أمر الحجاج بن علاط السلمي
(حيلته في جمع ماله من مكة) :
قال ابن إسحاق: ولما فتحت خيبر، كلم رسول الله ﷺ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي، فقال: يا رسول الله، إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة- وكانت عنده، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة، فأذن لي يا رسول الله، فأذن له، قال: إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول، قال: قل. قال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الأخبار، ويسألون عن أمر رسول الله ﷺ، وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز، ريفا ومنعة ورجالا، فهم يتحسسون الأخبار، ويسألون الركبان، فلما رأوني قالوا: الحجاج بن علاط- قال: ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر- أخبرنا يا أبا محمد، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر، وهي بلد يهود وريف الحجاز، قال: قلت: قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم، قال: فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون: إيه يا حجاج، قال: قلت:
هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط، وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط، وأسر محمد أسرا، وقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم. قال: فقاموا وصاحوا بمكة، وقالوا: قد جاءكم الخبر، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم، فيقتل بين أظهركم. قال:
قلت: أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي، فإني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما لك.
قال ابن هشام: ويقال: من فيء محمد.
(العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشا) :
قال ابن إسحاق: قال: فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به.
قال: وجئت صاحبتي فقلت: مالي، وقد كان لي عندها مال موضوع، لعلي ألحق بخيبر، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار، قال: فلما سمع العباس ابن عبد المطلب الخبر، وجاءه عني، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار، فقال: يا حجاج، ما هذا الخبر الذي جئت به؟ قال: فقلت:
وهل عندك حفظ لما وضعت عندك؟ قال: نعم، قال: قلت: فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء، فإني في جمع مالي كما ترى، فانصرف عني حتى أفرغ. قال:
حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة، وأجمعت الخروج، لقيت العباس، فقلت: احفظ علي حديثي يا أبا الفضل، فإني أخشى الطلب ثلاثا، ثم قل ما شئت، قال: أفعل، قلت: فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم، يعني صفية بنت حيي، ولقد افتتح خيبر، وانتثل ما فيها، وصارت له ولأصحابه، فقال: ما تقول يا حجاج؟ قال: قلت: إي والله، فاكتم عني، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي، فرقا من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك، فهو والله على ما تحب، قال: حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له، وتخلق، وأخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى الكعبة، فطاف بها، فلما رأوه قالوا: يا أبا الفضل، هذا والله التجلد لحر المصيبة، قال: كلا، والله الذي حلفتم به، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على بنت ملكهم، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه، قالوا: من جاءك بهذا الخبر؟ قال: الذي جاءكم بما جاءكم به، ولقد دخل عليكم مسلما، فأخذ ماله، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه، فيكون معه، قالوا: يا لعباد الله! انفلت عدو الله، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، قال: ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك.
ذكر مقاسم خيبر وأموالها
(الشق ونطاة والكتيبة) :
قال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي ﷺ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج النبي ﷺ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله ﷺ وبين أهل فدك بالصلح، منهم محيصة بن مسعود، أعطاه رسول الله ﷺ ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر، ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، فقسم له رسول الله ﷺ كسهم من حضرها، وكان وادياها، وادي السريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشق ثلاثة عشر سهما، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم، وثمان مائة سهم.
(عدة من قسمت عليهم خيبر) :
وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله ﷺ ألف سهم وثمان مائة سهم، برجالهم وخيلهم، الرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فارس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكل راجل سهم، فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما جمع.
قال ابن هشام: وفي يوم خيبر عرب رسول الله ﷺ العربي من الخيل، وهجن الهجين.
(قسمة الأسهم على أربابها) :
قال ابن إسحاق: فكان علي بن أبي طالب رأسا، والزبير بن العوام، وطلحة ابن عبيد الله وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي، أخو بني العجلان، وأسيد بن حضير، وسهم الحارث بن الخزرج، وسهم ناعم، وسهم بني بياضة، وسهم بني عبيد، وسهم بني حرام من بني سلمة، وعبيد السهام.
قال ابن هشام: وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر، وهو عبيد بن أوس، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس.
قال ابن إسحاق: وسهم ساعدة، وسهم غفار وأسلم، وسهم النجار وسهم حارثة، وسهم أوس. فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام، وهو الخوع، وتابعه السرير، ثم كان الثاني سهم بياضة، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف ابن الخزرج ومزينة وشركائهم، وفيه قتل محمود بن مسلمة، فهذه نطاة.
ثم هبطوا إلى الشق، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي، أخي بني العجلان، ومعه كان سهم رسول الله ﷺ، ثم سهم عبد الرحمن ابن عوف، ثم سهم ساعدة، ثم سهم النجار، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ثم سهم طلحة بن عبيد الله، ثم سهم غفار وأسلم، ثم سهم عمر بن الخطاب، ثم سهما سلمة بن عبيد وبني حرام، ثم سهم حارثة، ثم سهم عبيد السهام، ثم سهم أوس، وهو سهم اللفيف، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب، وكان حذوه سهم رسول الله ﷺ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي.
ثم قسم رسول الله ﷺ الكتيبة، وهي وادي خاص، بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها، فقسم رسول الله ﷺ لفاطمة ابنته مائتي وسق، ولعلي بن أبى طالب مائة وسق، ولأسامة ابن زيد مائتي وسق، وخمسين وسقا من نوى، ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق، ولأبي بكر بن أبى قحافة مائة وسق، ولعقيل بن أبى طالب مائة وسق وأربعين وسقا، ولبني جعفر خمسين وسقا، ولربيعة بن الحارث مائة وسق، وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق، للصلت منها أربعون وسقا، ولأبي نبقة خمسين وسقا، ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقا، ولأبي القاسم ابن مخرمة أربعين وسقا، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقا، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقا. ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقا، ولأم رميثة أربعين وسقا، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقا، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقا، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقا، ولأم حكيم (بنت الزبين بن عبد المطلب) ثلاثين وسقا، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقا، ولابن الأرقم خمسين وسقا، ولعبد الرحمن بن أبي بكر أربعين وسقا، ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقا، ولأم الزبير أربعين وسقا، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقا، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقا، ولأم طالب أربعين وسقا، ولأبي بصرة عشرين وسقا، ولنميلة الكلبي خمسين وسقا، ولعبد الله بن وهب وابنتيه تسعين وسقا، لابنيه منها أربعين وسقا، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقا، ولملكو بن عبدة ثلاثين وسقا، ولنسائه ﷺ سبع مائة وسق.
قال ابن هشام: قمح وشعير وتمر ونوى وغير ذلك، قسمه على قدر حاجتهم وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر، ولهذا أعطاهم أكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
(عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم) :
ذكر ما أعطى محمد رسول الله ﷺ نساءه من قمح خيبر:
قسم لهن مائة وسق وثمانين وسقا، ولفاطمة بنت رسول الله ﷺ خمسة وثمانين وسقا، ولأسامة بن زيد أربعين وسقا، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقا، ولأم رميثة خمسة أوسق.
شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب.
(ما أوصى به الرسول عند موته) :
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: لم يوص رسول الله ﷺ عند موته إلا بثلاث، أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق من خيبر، وللداريين بجاد مائة وسق من خيبر، وللسبائيين، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر.
وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة، وألا يترك بجزيرة العرب دينان.
أمر فدك في خبر خيبر
(مصالحة الرسول أهل فدك) :
قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله ﷺ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله ﷺ يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر، أو بالطائف، أو بعد ما قدم المدينة، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله ﷺ خالصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله ﷺ من خيبر
(نسبهم) :
وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم، الذين ساروا إلى رسول الله ﷺ من الشام: تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد ابن قيس، وعرفة بن مالك، سماه رسول الله ﷺ عبد الرحمن.
– قال ابن هشام: ويقال: عزة بن مالك: وأخوه مران بن مالك.
قال ابن هشام: مروان بن مالك.
قال ابن إسحاق: وفاكه بن نعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند بن بر، وأخوه الطيب بن بر، فسماه رسول الله ﷺ عبد الله.
(خرص ابن رواحة ثم جبار على أهل خيبر) :
فكان رسول الله ﷺ، كما حدثني عبد الله بن أبي بكر، يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين ويهود، فيخرص عليهم، فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلنا، فتقول يهود:
بهذا قامت السموات والأرض.
وإنما خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاما واحدا، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء، أخو بني سلمة، هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة.
(مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله) :
فأقامت يهود على ذلك، لا يرى بهم المسلمون بأسا في معاملتهم، حتى عدوا في عهد رسول الله ﷺ على عبد الله بن سهل، أخي بني حارثة، فقتلوه، فاتهمهم رسول الله ﷺ والمسلمون عليه.
قال ابن إسحاق: فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة، وحدثني أيضا بشير بن يسار، مولى بني حارثة، عن سهل بن أبي حثمة، قال: أصيب عبد الله بن سهل بخيبر، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمرا، فوجد في عين قد كسرت عنقه، ثم طرح فيها، قال: فأخذوه فغيبوه، ثم قدموا على رسول الله ﷺ، فذكروا له شأنه، فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن ابن سهل، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود، وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا، وكان صاحب الدم، وكان ذا قدم في القوم، فلما تكلم قبل ابنى عمه، قال رسول الله ﷺ: الكبر الكبر. قال ابن هشام: ويقال: كبر كبر- فيما ذكر مالك بن أنس- فسكت، فتكلم حويصة ومحيصة، ثم تكلم هو بعد، فذكروا لرسول الله ﷺ قتل صاحبهم، فقال رسول الله ﷺ: أتسمون قاتلكم، ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فنسلمه إليكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنحلف على ما لا نعلم، قال: أفيحلفون بالله خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرءون من دمه؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنقبل أيمان يهود، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم. قال: فواده رسول الله ﷺ من عنده مائة ناقة. قال سهل: فو الله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عبد الرحمن ابن بجيد بن قيظي، أخي بني حارثة، قال محمد بن إبراهيم: وايم الله، ما كان سهل بأكثر علما منه، ولكنه كان أسن منه، إنه قال له: والله ما هكذا كان الشأن! ولكن سهلا أوهم، ما قال رسول الله ﷺ، احلفوا على مالا علم لكم به، ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار: إنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه، ولا يعلمون له قاتلا.
فوداه رسول الله ﷺ من عنده.
قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن شعيب مثل حديث عبد الرحمن بن بجيد، إلا أنه قال في حديثه: دوه أو ائذنوا بحرب. فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا، فوداه رسول الله ﷺ من عنده.
(إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر) :
قال ابن إسحاق: وسألت ابن شهاب الزهري: كيف كان إعطاء رسول الله ﷺ يهود خيبر نخلهم، حين أعطاهم النخل على خرجها، أبت ذلك لهم حتى قبض، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك؟
فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله ﷺ افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله ﷺ، خمسها رسول الله ﷺ، وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول الله ﷺ، فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها، وتكون ثمارها بيننا وبينكم، وأقركم ما أقركم الله، فقبلوا، فكانوا على ذلك يعملونها: وكان رسول الله ﷺ يبعث عبد الله بن رواحة، فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الخرص، فلما توفى الله نبيه ﷺ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، بعد رسول الله ﷺ بأيديهم، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله ﷺ، حتى توفي، ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدرا من إمارته. ثم بلغ عمر أن رسول الله ﷺ قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، ففحص عمر ذلك، حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود، فقال: إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله ﷺ قال: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله ﷺ من اليهود فليأتني به، أنفذه له، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله ﷺ من اليهود، فليتجهز الجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله ﷺ منهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر قال: خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا، قال: فعدي علي تحت الليل، وأنا نائم على فراشي، ففدعت يداي من مرفقي، فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي، فأتياني فسألاني:
من صنع هذا بك؟ فقلت: لا أدري، قال: فأصلحا من يدى، ثم قد ما بي على عمر رضي الله عنه، فقال: هذا عمل يهود، ثم قام في الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن رسول الله ﷺ كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر، ففدعوا يديه، كما قد بلغكم، مع عدوهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم أصحابه، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإني مخرج يهود، فأخرجهم. [السيرة النبوية لابن هشام 2/328 – 357]