لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل، اجتمعوا وائتمروا (بينهم) أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم، وبني المطلب، على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا، ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم، وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي- قال ابن هشام: ويقال: النضر بن الحارث- فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشل بعض أصابعه.
فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب، عبد العزى بن عبد المطلب، إلى قريش، فظاهرهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله: أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة، حين فارق قومه، وظاهر عليهم قريشا، فقال: يا بنت عتبة، هل نصرت اللات والعزى، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما؟ قالت: نعم، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة.
قال ابن إسحاق: وحدثت أنه كان يقول في بعض ما يقول: يعدني محمد أشياء لا أراها، يزعم أنها كائنة بعد الموت، فماذا وضع في يدي بعد ذلك، ثم ينفخ في يديه ويقول: تبا لكما، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد. فأنزل الله تعالى فيه:
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [111: 1]
وتبت: خسرت. والتباب: الخسران [السيرة النبوية لابن هشام 1/351 – 352]