×

وقعة الحديبية

وقعة الحديبية

الفترة المدنية
السنة السادسة من الهجرة
وقعة الحديبية
627 - 628 ميلادي

قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله ﷺ بالمدينة شهر رمضان وشوالا، وخرج في ذي القعدة معتمرا، لا يريد حربا.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي.

الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر.

وكان جابر بن عبد الله، فيما بلغني، يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة.

(الرسول وبشر بن سفيان) :

قال الزهري: وخرج رسول الله ﷺ، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي- قال ابن هشام: ويقال بسر- فقال: يا رسول الله هذه قريش، قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم، قال: فقال رسول الله ﷺ: يا ويح قريش! لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش، فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة، ثم قال: من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟

(تجنب الرسول لقاء قريش) :

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رجلا من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب، فلما خرجوا منه، وقد شق ذلك على المسلمين وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله ﷺ للناس: قولوا نستغفر الله ونتوب إليه. فقالوا ذلك، فقال: والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل. فلم يقولوها. قال ابن شهاب: فأمر رسول الله ﷺ الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمش، في طريق (تخرجه) على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، رجعوا راكضين إلى قريش، وخرج رسول الله ﷺ، حتى إذا سلك، في ثنية المرار بركت ناقته، فقالت الناس: خلأت الناقة، قال: ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا، قيل له:

يا رسول الله: ما بالوادي ماء ننزل عليه، فأخرج سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في قليب من تلك القلب. فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن.

(الذي نزل بسهم الرسول في طلب الماء) :

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم: أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله ﷺ ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر ابن دارم بن عمرو بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة، وهو سائق بدن رسول الله ﷺ.

قال ابن هشام: أفصى بن حارثة.

قال ابن إسحاق: وقد زعم لي بعض أهل العلم: أن البراء بن عازب كان يقول:

أنا الذي نزلت بسهم رسول الله ﷺ، فالله أعلم أي ذلك كان.

(بديل ورجال خزاعة بين الرسول وقريش) :

فقال الزهري في حديثه: فلما اطمأن رسول الله ﷺ أتاه بديل ابن ورقاء الخزاعي، في رجال من خزاعة، فكلموه وسألوه: ما الذي جاء به؟

فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت، ومعظما لحرمته، ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، إن محمدا لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا هذا البيت، فاتهموهم وجبهوهم وقالوا: وإن كان جاء ولا يريد قتالا، فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا، ولا تحدث بذلك عنا العرب.

قال الزهري: وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله ﷺ، مسلمها ومشركها، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة.

(مكرز رسول قريش إلى الرسول) :

قال: ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف، أخا بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله ﷺ مقبلا قال: هذا رجل غادر، فلما انتهى إلى رسول الله ﷺ وكلمه، قال له رسول الله ﷺ نحوا مما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله ﷺ.

(الحليس رسول من قريش إلى الرسول) :

ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان، وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله ﷺ قال: إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله ﷺ إعظاما لما رأى، فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس، فإنما أنت أعرابي لا علم لك.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن الحليس غضب عند ذلك وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم.

أيصد عن بيت الله من جاء معظما له! والذي نفس الحليس بيده، لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا له: مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

قال الزهري في حديثه: ثم بعثوا إلى رسول الله ﷺ عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وإني ولد- وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس- وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي، قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله ﷺ، فجلس بين يديه، ثم قال: يا محمد، أجمعت أو شاب الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل. قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا. وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول الله ﷺ قاعد، فقال: امصص بظر اللات، أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال:

هذا ابن أبي قحافة، قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها، قال: ثم جعل يتناول لحية رسول الله ﷺ وهو يكلمه.

قال: والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله ﷺ في الحديد.

قال: فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله ﷺ، ويقول:

اكفف يدك عن وجه رسول الله ﷺ قبل أن لا تصل إليك، قال:

فيقول عروة: ويحك! ما أفظك وأغلظك! قال: فتبسم رسول الله ﷺ، فقال له عروة: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة ابن شعبة، قال: أي غدر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس. – قال ابن هشام: أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك، من ثقيف، فتهايج الحيان من ثقيف: بنو مالك رهط المقتولين، والأحلاف رهط المغيرة، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية، وأصلح ذلك الأمر.

قال ابن إسحاق: قال الزهري: فكلمه رسول الله ﷺ بنحو مما كلم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا.

فقام من عند رسول الله ﷺ وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه. ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه. فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه. والنجاشي في ملكه. وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم.

 

(خراش رسول الرسول إلى قريش) :

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن رسول الله ﷺ دعا خراش بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على بعير له يقال له الثعلب، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله ﷺ، وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله، حتى أتى رسول الله ﷺ.

(النفر القرشيون الذين أرسلتهم قريش للعدوان ثم عفا عنهم الرسول) :

قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس: أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين رجلا، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ﷺ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا، فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله ﷺ، فعفا عنهم، وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله ﷺ بالحجارة والنبل.

(عثمان رسول محمد إلى قريش) :

ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان. فدعا رسول الله ﷺ عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنه إنما جاء زائرا لهذا البيت، ومعظما لحرمته.

(إشاعة مقتل عثمان) :
قال ابن إسحاق: فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله ﷺ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله ﷺ ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله ﷺ إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ﷺ. واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله ﷺ والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل. [السيرة النبوية لابن هشام 2/308 – 315]

الدروس المستفادة

    • تعظيم شعائر الله ولو باتفاق مع المشركين.
    • الوفاء بالعهد حتى لو على شروط جائرة.
    • حسن اليقين بالله، (تفاؤل النبي رغم غضب الصحابة)
    • الله يرضى عن عباده المخلصين الذين بايعوا على نصرة الدين بأرواحهم (بيعة الرضوان).
    • محبة الرسول طاغية في نفوس المؤمنين (كانوا يتعاركون على ماء وضوئه او سماع أمره).
    • - مكانة المرأة عظيمة في الإسلام (النبي نزل على نصيحة أم سلمة بذبح الهدي وكان فرجا عظيما) ويتضح أيضا مكانة المرأة من عدم تسليم المهاجرات خشية عليهن.
    • الأخذ بالأسباب (جرت معجزات متحققة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها تفجر البئر الجافة بالماء ومع ذلك كان يضع خططا محكمة لتفادي الصدام كاتخاذ طريقا وعرة لمنع اصطدام الخيول).
    • طاعة الله ورسوله واجبة على كل مسلم ولو لم يقتنع عقليا للوهلة الأولى (ثبت أن الصلح رغم شروطه المجحفة كان نصرا عظيما).