لا يوجد قانون في الإحكام والتنظيم مثل التشريع الذي جاء به النبي ﷺ، فإن شريعته جاءت لتسد حاجة الإنسان في كل نواحي الحياة، وتبين الحكم في كل ما يحتاجه الإنسان، وتنظم حياة المسلم من ولادته إلى موته؛ تسير معه جنباً إلى جنب، ترعاه وتحضنه وتقومه وتسدده وتبصره وتهديه
{فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97]
شريعة كاملة، فيها من اللين واليسر والموافقة للعقل ما يجعل كل من يلتزم بها سعيداً فخوراً، وفيها من المرونة ما يجعلها تصلح لكل زمان ومكان وأمة، لا تميز بين الناس في الأحكام، فالعدل أساسها والحكمة نبراسها (1).
على حين لا تجد هذا في أي شريعة وقانون وضعي، ويعرف هذا حق معرفته القانونيون والمطلعون على القانون الوضعي، فهو يعدل في كل سنة عدة مرات، والقانون لو نجح في بلد فإنه قد لا ينجح في بلد أخرى، ولو صلح في وقت فقد يكون وبالاً في وقت آخر، وانظر ماذا فعلت الشيوعبة الحمراء (2) بأهلها التي لم يلتزم بها من التزم إلا بعد جريان أنهار الدم، واستخدام أبشع أنواع التعذيب، ثم سقطت إلى الهاوية وألفيت في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1. انظر: المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، للحكيم (ص 47).
2. القرآن وإعجازه التشريعي، لمحمد إسماعيل إبراهيم (ص 31)، دار الفكر العربي، القاهرة.
ولم يستطع أحد أن يأتي بشريعة تخدم الإنسان في جميع شؤون حياته، فقصارى جهد من وضعها أن تكون فكرة في مجال معين؛ ففي الاقتصاد برزت الاشتراكية والرأسمالية الربوية، فالأولى قتلت الإبداع وساوت بين النشيط والخامل، وبين المضحي واللامبالي، والذكي والغبي (1). والأخرى جعلت شعوبها شعوباً طبقية ما بين كل طبقة وطبقة مفاوز، فبعض الطبقات طبقة مسحوقة لا تجد قوت يومها، وبعضهم يتمتعون بكل متاع الدنيا، وليس على هؤلاء حق لأولئك (2).
وفي السياسة برزت الديمقراطية والدكتاتورية، فالأولى (3) فتحت الباب على مصراعيه للرأي وأطلقت الحريات بلا عنان، وجعلت الحكم للشعب على اختلاف مستواه التعليمي والفكري، وعلى حسب مصلحته الخاصة، طارحة أي حكم شرعي وغير مبالية فيه، فحكم الناس يقدم على حكم رب الناس، والأخرى (4) جعلت الحكم محصوراً بشخص واحد ولا يحق لأحد التدخل مهما بلغ من الثقافة والعلم.
وفي الجانب الاجتماعي فتحوا باب الخنا والزنا على مصراعيه كما قال فرويد: إن الغريزية الجنسية هي أساس كل تصرفات الإنسان حتى الرضيع مع أمه، وأي كبت لهذه الغريزة يؤدي إلى الانهيار والأزمات النفسية (5).
وغيرها من الأفكار والمذاهب التي لا يسع المجال لذكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1. القرآن والسنة والعلوم الحديث، لمحمد أحمد مدني (ص 101)، مبحث الماركسية وتناقضاتها.
2. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/ 920).
3. انظر: السابق (2/ 1066).
4. انظر: السابق (2/ 929).
5. انظر: العلمانية، للشيخ سفر الحوالي (ص 164).
وهذه القوانين مع كثرة الواضعين لها والمنقحين والمراجعين والمصححين إلا أنها لا زالت تتغير يوماً بعد يوم، فمن وضعها غير راض عنها فضلاً عن غيره.
وكل هذه الأفكار والمذاهب والتشريعات والقوانين على اختلاف مجالاتها كان منتهي قدراتها مجتمعة أن تخدم بدن الإنسان وجسمه، ولم تستطع أن تقدم للروح شيئاً، فكان غاية ما عندها أن تقول للناس: ليتخذ كل منكم الدين الذي يريد، فإننا لا نعرف كيف تسعد الروح، فصدرت دساتيرهم بكلمة “نحن دولة علمانية”.
فكل هذه العقول لم تستطع أن تأتي بشريعة خالدة شاملة لجميع نواحي الحياة كما أتى به النبي ﷺ في شريعته، وهذا من أدلة صدقه ﷺ، فالبشر لا يقدرون على هذا، ولا حتى النبي ﷺ يقدر على ذلك، إنما هذه الشريعة تنزل من عزيز حميد، شريعة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها تنزيل من حكيم حميد.
يقول برناردشو (1): “لو كان محمد – نبي الإسلام – حياً يرزق لاستطاع أن يحل مشاكل العالم وهو جالس على حصيرته يحتسي القهوة” (2).
وهذا مما استدل به هرقل أيضاً على صدق النبي ﷺ حين قيل له: إن شريعته تأمر بعبادة الله وحده والصدق وصلة الرحم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. برنارد شو: المفكر والأديب والفيلسوف الإنكليزي المشهور، ولد برناردشو في دبلن عاصمة أيرلندا في 26 يوليو 1856م، وكان أبواه من البروتستانت ذوي الأصل الإنجليزي، كان نهماً في القراءة بشكل غير عادي وكثيراً ما كان يتحف رفاقه التلاميذ بقصص من الإلياذة والأوديسة التي كان يحفظها عن ظهر قلب.
2. القرآن والنسة والعلوم الحديثة، لمحمد أحمد مدني، (ص 71)، مطابع خالد للأوفست، الرياض.