ومن خصائصه ﷺ انعقاد نكاحه بغير ولي ولا شهود، وهي مسألة أخرى غير مسألة زينب.
وهو استثناء من القاعدة العامة التي وردت في قوله ﷺ:
(لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) .
(3)
وذلك لأن اشتراط الولي للمحافظة على الكفاءة، والرسول ﷺ فوق الأكفاء وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما ورد ذلك في الآية الكريمة.
______________________
3. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وابن حبان وغيرهم.
واعتبار الشهود، إنما كان ضماناً لأمن الجحود، وهو أمر غير متصور منه ﷺ ومن تطبيقات هذه المسألة: زواجه ﷺ بصفية.
فقد أخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أُمِرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأَلْقَى فِيهَا مِنْ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ
(1).
فالصحابة رضي الله عنهم لم يعرفوا أنها من أمهات المؤمنين إلا بعد أن مد عليها الحجاب. وهذا يدل على عدم وجود الولي والشهود.
ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه أبو داود
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي كِتَابَتِهَا فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ فَرَأَيْتُهَا كَرِهْتُ مَكَانَهَا وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ وَإِنِّي وَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِي كِتَابَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؟) قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ) قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ قَالَتْ فَتَسَامَعَ تَعْنِي النَّاسَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ وَقَالُوا أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
(2).
______________________
1. أخرجه البخاري برقم (5085).
2. أخرجه أبو داود برقم (3931).
فليس في الحديث ذكر وجود ولي ولا شهود.
وقد يقال إن حدوث ذلك أمام الناس يقوم مقام الشهود. وكذلك في قضية صفية.