×

إباحة ترك القسم بين زوجاته

ذهب طائفة من العلماء منهم الماوردي والغزالي: إلى أن القسم لم يكن واجباً عليه لقوله تعالى:

 

{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِىٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ}

(2).

 

أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها.

 ونقل ابن الجوزي عن أكثر العلماء أن الآية نزلت مبيحة ترك ذلك. وأن النبي ﷺ كان يطوف على نسائه في الساعة الواحدة، كما أخرجه البخاري من حديث أنس (3) وذلك ينافي وجوبه عليه (4).

 وذهب فريق آخر: إلى أنه واجب لأنه ﷺ كان يطاف به في مرضه على نسائه حتة حللنه. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله ﷺ واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له (5).

______________________

 

2. سورة الأحزاب، الآية (51).

 

3. أخرجه البخاري برقم (5215).

 

4. غاية السول ص 207.

 

5. أخرجه البخاري برقم (5217).


 

والواقع: أن في هذه المسألة رأيان، ومحور الموضوع يدور على تفسير الآية الكريمة:

قال ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية:

روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ﷺ قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله عز وجل:

{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِىٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ}

الآية، قالت إني أرى ربك يساره لك في هواك.

وأخرجه البخاري عن هشام بن عروة (1)..  فدل على أن المراد بقوله {تُرْجِى} أي تؤخر {مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} أي من الواهبات {وَتُـْٔوِىٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ} أي من شءت قبلتها ومن شئت رددتها، ومن رددتها أنت فيها أيضاً بالخيار بعد ذلك.

وقال آخرون: بل المراد بالآية بقوله:

 

{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ}

 

أي من أزواجك، لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت.

ذهب إلى هذا ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبو رزين وغيرهم.

ومع هذا كان النبي ﷺ يقسم لهن.

ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجباً عليه ﷺ واحتجوا بهذه الآية الكريمة.

 


وأخرج البخاري عن معاذة

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَقُلْتُ لَهَا مَا كُنْتِ تَقُولِينَ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا

(2).

 

______________________

 

1. متفق عليه (خ 4788، م 1464).

 

2. متفق عليه (خ 4789، م 1476).


 

هذا الحديث يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم، وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلن في الواهبات.

ومن هاهنا اختار ابن جرير: أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء اللاتي عنده، أنه مخير فيهن، إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم.

وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث ولهذا قال تعالى:

 

{ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ}

 

أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم. اهـ ابن كثير.

نخلص من هذا إلى أن القول بأن القسم لم يكن واجباً عليه بعد نزول الآية المذكورة، هو القول المقدم، ولا يعارض ذلك التزامه ﷺ بالقسم حتى آخر حياته. فقد كان ذلك مباحاً له، ولكنه لم يعمل به.

 وبغير القول بخصوصية الإباحة لا يمكن الجمع بين النصوص.

 

مواضيع ذات صلة