×

الآيات التي يجريها الله على يديه ﷺ يخرق فيها العادة

ألف العديد من العلماء في دلائل ومعجزات النبي ﷺ، منهم: البيهقي وأبو نعيم وأبو بكر الفرياني وأبو حفص بن شاهين، وأعلام النبوة لأبي داود السجستاني، و”دلائل الرسالة” لأبي المطرف بن أسبغ القرطبي (1)، ومن المعاصرين: “الصحيح من معجزات النبي ﷺ” لخير الدين وائلي (2)، “والصحيح المسند من دلائل النبوة” لمقبل بن هادي الوادعي (3) وغيرهم، ومجموع هذه الأدلة تربو على الألف دليل (4).

وهذه الآيات والمعجزات لا شك أنها حجة قاطعة على صدق رسالته ونبوته ﷺ؛ لأن خرق العادة ومخالفة قانون الطبيعة وتغير ناموس الحياة لا يمكن أن يفعله مخلوق، بل لا يكون إلا من خالق للعادة سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى لا يخرق العادة لكاذب من قلب النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وقلب عصى موسى إلى أفعى وإحياء الموتى لعيسى، وغير ذلك من الآيات؛ لذلك كان القوم إذا أرسل إليهم أحد، أو ادعى النبوة قالوا: 

{لَوْلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ ءَايَةٌ ۗ}

[البقرة: 118]

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ }

[الأنعام: 37]

{وَأَقْسَمُوا بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ}

[الأنعام: 109]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني (ص 89)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1995م.

2. إصدار دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م.

3. الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1987م.

4. انظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم (ً 87).


و{وَيَقُولُونَ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ ۖ}

[يونس: 20].

ومن أنكر الآيات بعد أن رآها فهو في غاية من الكفر ومستحق للعذاب؛ كما قال سبحانه وتعالى عن صالح عليه السلام: 

{وَيَٰقَوْمِ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِىٓ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍۢ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}

[هود: 64] .

وقال سبحانه وتعالى: 

{وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ ۘ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُۥ ۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌۢ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}

[الأنعام: 124].

وقال جل جلاله: 

{سَلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَٰهُم مِّنْ ءَايَةٍ بَيِّنَةٍۢ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}

[البقرة: 211]

يعني: أن رؤية هذه الآيات لا تبقي لأحد حجة.

من هذه الآيات والمعجزات – غير معجزة القرآن التي سنتكلم عنها منفصلة:

1- خطاب الأشجار والأحجار وانقيادها للنبي ﷺ:

عن عبد الرحمن بن عبدالله بن مسعود رحمه الله قال: سألت مسروقاً من آذن النبي ﷺ بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك – يعني عبد الله – أنه آذنت بهم شجرة (1).

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن ابعث إني لأعرفه الآن” (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. متفق عليه: البخاري، كتاب المتاقب، باب: ذكر الجن، رقم (3646)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، رقم (450).

2. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب: فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر، رقم (2277).


وعن أنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ حَزِينٌ قَدْ خُضِبَ بِالدِّمَاءِ ضَرَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ فَقَالَ لَهُ وَمَا لَكَ قَالَ فَقَالَ لَهُ: “فَعَلَ بِي هَؤُلَاءِ وَفَعَلُوا” قَالَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام: أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: “نَعَمْ قَالَ فَنَظَرَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي فَقَالَ: ادْعُ بِتِلْكَ الشَّجَرَةِ فَدَعَاهَا فَجَاءَتْ تَمْشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ “حَسْبِي حَسْبِي”  

(1).

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ:

 بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ قَالَ: “إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنْ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَعَادَ فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ

(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أخرجه أحمد رقم (11702)، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب: الصبر على البلاء، رقم (4028)، وإسناده صحيح بشواهده. انظر: دلائل النبوة، للوادعي، (96).

2. أخرجه الدارمي، في المقدمة في باب ما أكرم الله نبيه من إيمان الشجر به، رقم (24)، والترمذي، كتاب المناقب، باب: في إثبات نبوة النبي ﷺ، رقم (3628)، واللفظ له وقال حسن صحيح. وانظر: دلائل النبوة، للوادعي (98).


وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: “انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ” فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ – الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: “انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ”، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي جَمَعَهُمَا فَقَالَ: “الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ” فَالْتَأَمَتَا قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ (1) مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَيَتَبَعَّدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُقْبِلًا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدْ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ (2).

2- أدب الحيوان معه:

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قَالَ: 

أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ ﷺ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ” (3).

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: 

كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ (4) عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ وَإِنَّ الْأَنْصَارَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الحضر: الجري الشديد.

2. أخرجه مسلم، كتاب الزهد، والرقاق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي بسر، ورقم (3014).

3. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب: ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، رقم (2549)، أحمد رقم (1747)، وهو صحيح على شرط مسلم، وأصله في مسلم من غير قصة الجمل.

4. يدبر لهم السانية وهي الساقية.


جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نُسْنِي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَقَامُوا فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَةٍ فَمَشَى النَّبِيُّ ﷺ نَحْوَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ (1)، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: “لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ”. فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ وَنَحْنُ نَعْقِلُ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ فَقَالَ: “لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ” (2).

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: 

“كَانَ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَحْشٌ (3) فَكَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اشْتَدَّ وَلَعِبَ فِي الْبَيْتِ فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَكَنَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَهُ” (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أي: المسعور.

2. أخرجه أحمد رقم (12203)، وإسناده جيد. انظر: الدلائل، للوادعي (102)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، رقم (1936).

3. أخرجه أحمد، رقم (24297)، وسنده حسن. انظر: الدلائل، للوادعي (102).

4. وهو الحيوان البري الوحشي.


وأخرج الحاكم عن سفينة رضي الله عنه مولى رسول الله ﷺ قال: “ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحاً من ألواحها فطرحني اللوح في أجمة (1) فيها الأسد، فأقبل يريدني، فقلت: يا أبا الحارث! أنا مولى رسول الله  ﷺ، فطأطأ رأسه، وأقبل إلي يدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق، وهمهم فظننت أنه يودعني، فكان آخر عهدي به” (2).

3- تكثير الطعام:

عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ ﷺ خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ (3) إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَمَصًا شَدِيدًا؟ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ (4) فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: “يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِهَلّكُمْ” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ” فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ بِكَ وَبِكَ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أجمة: غابة، انظر: لسان العرب (1/ 656).

2. أخرجه الحاكم (2/ 675) دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، 1991م، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 195)، طباعة دار الفكر، مراجعه السيد هاشم الندوي، وهو حسن. انظر: الدلائل، للوادعي (299).

3. انكفأ: رجع، انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 183).

4. داجن: هي الدابة التي تعلفها الناس في بيوتهم، انظر: لسان العرب (13/ 148).


فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ: “ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا”. وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ (1).

وعن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي ﷺ وأبو بكر مستخفين مراً بعبد يرعى غنماً، فاستسقياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن ههنا عناقاً (2) حملت أول الشتاء، وقد أخدجت وما بقي لها لبن. فقال: “ادع بها، فدعا بها فاعتقلها النبي ﷺ، ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت”. قال: وجاء أبو بكر رضي الله عنه بمحجن فحلب، فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: بالله من أنت، فوالله ما رأيت مثلك قط؟ قال: “أو تراك تكتم علي حتى أخبرك؟”. قال: نعم. قال: “فإني محمد رسول الله”. فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: “إنه ليقولون ذلك”. قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك. قال: “إنك لا تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا” (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. متفق عليه (البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب، رقم (3876)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (771).

2. العناق: الأنثى من أولاد الماعز والغنم من حين الولادة إلى تمام حول. المعجم الوسيط (ع ن ق) (2/ 655).

3. أخرجه الحاكم (3/ 9)، والطبراني في المعجم الكبير (18/ 343)، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، 1983م، وسنده صحيح، انظر: الدلائل، للوادعي (111).


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

 أتيت النبي ﷺ بتمرات، فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة، فقال: “خذهن واجعلن في مزودك هذا، أو في هذا المزود (1) كلما أردت أن تأخذ منه شيئاً، فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثراً”، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي (2)، حتى كان يوم قتل عثمان رضي الله عنه، فإنه انقطع (3).

وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَ مِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِ مِائَةٍ (4). 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: “اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ” فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: “حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ”. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.

وتكثير الطعام والماء هو استحداث من عدم وهو الخلق، والخلق لا يستطيعه إلا الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. المزود: ما يوضع فيه الزاد، والزاد الطعام، انظر: لسان العرب (3/ 198).

2. الحقو: الخصر وهو موضع شد الإزار، انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 275)، والمعجم الوسيط (1/ 195) (ح ق ر).

3. أخرجه أحمد (8414)، والترمذي، كتاب المناقب، باب: مناقب أبي هريرة رضي الله عنه، رقم (3839)، واللفظ له، وهو صحيح، انظر: الدلائل، للوادعي (112).

4. متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، رقم (3379)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: في معجزات النبي ﷺ، رقم (2279).

5. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، رقم (3386).


4- شفاء الأمراض على يديه:

في يوم خيبر دعا النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان أرمد فبصق في عينيه فبرئ (1).

وعن يزيد بن أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ (2).  

وعبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع انكسرت قدمه، فمسحها النبي ﷺ، فكأنها لم تشتك قط (3).

5- انشقاق القمر:

سأل أهل مكة النبي ﷺ آية، فدعا النبي ربه أن يشق القمر، فانشق القمر فلقتين، فلقة عن يمين الجبل والأخرى عن شماله، فقال النبي: “اشهدوا اشهدوا”، فقالوا: سحر أعيننا محمد. فقال بعضهم: إن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس أجمعين، فاسألوا الركبان إذا جاؤوا من الأسفار. فكلما جاء أحد سألوه: هل رأيت القمر انشق؟ فيقولون: نعم رأينا (4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. متفق عليه (البخاري: كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رقم (3498)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب، رقم (2406)).

2. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: غزوة خيبر، رقم (3969).

3. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب: قتل أبي رافع، رقم (3813).

4. متفق عليه من طريق ابن مسعود وأنس وابن عباس رضي الله عنهما.

– أخرجه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، كتاب المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم آية، رقم (3437)، وعن أنس رضي الله عنه في الموضع السابق، رقم (3438)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، رقم (3439).



6- حنين الجذع:

كان مسجد النبي ﷺ مبيناً على جذوع من نخل، فكان النبي ﷺ إذا أراد أن يخطب يستند إلى أحد هذه الجذوع عادة، ومكث على هذه مدة، فلما كثر الناس وأصبح المسجد يمتلئ بالمصلين، وكان الذين في الصفوف الأخيرة لا يرون النبي ﷺ لا سيما من النساء، فجاءت إحدى نساء الأنصار إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله! إن لي غلاماً نجاراً، فإن شئت أمرته ليصنع لك منبراً. فإذن النبي ﷺ لها بذلك، فصنع للنبي منبراً من ثلاث درجات، ووضعته في المسجد بجانب ذلك الجذع الذي كان النبي ﷺ يخطب إليه دائماً، فلما خرج النبي ﷺ للخطبة، مر بجانب ذلك الجذع ولم يخطب عنده، ورقى المنبر ليخطب عليه، فلما أحس الجذع أن النبي ﷺ تركه، حزن وجزع وأخذ يبكي ويصيح حتى كاد أن يتصدع حزناً على رسول الله ﷺ، فقال النبي ﷺ: “ألا تعجبون لحنين هذه الخشبة؟” فأقبل الناس وارتج المسجد من حنينها حتى كثر البكاء في المسجد، فنزل النبي ﷺ فوضع يده عليها يهدهدها (1) ثم ضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى سكتت، فقال النبي ﷺ: 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

–  وأخرجه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب صفة القيامة، باب: انشقاق القمر، رقم (2800)، وعن أنس رضي الله عنه، رقم (2802)، وابن عباس رضي الله عنه، رقم (2803).


– وأخرجه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما، كتاب تفسير القرآن، باب: من سورة القمر، رقم (3288)، وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه في الموضع السابق، رقم (3289)، وأخرجه غيرهم، وهو حديث متواتر.

1. هدهد الشيء: حركه، ويقال: هدهدت الأم صبيها، حركته حركة منظمة لينام. انظر: المعجم الوسيط (2/ 1017) (هدهد).


“أما نفس محمد بيده، لو لم أحتضنه لحن هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله”، ثم أمر النبي ﷺ به فدفن تحت منبره، يقول جابر رضي الله عنه: بكت ما كانت تسمع من الذكر (1).

7- عقوبة من خادع النبي ﷺ:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ (2).

وغير ذلك من الأدلة والآيات والبراهين والمعجزات على صدقه ﷺ وتأييد الله سبحانه وتعالى له (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، رقم (3390)، وعن جابر رضي الله عنه في الموضع السابق، رقم (3392)، وأخرجه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما: كتاب الجمعة، باب: ما جاء في الخطبة على المنبر، رقم (505)، ثم قال: وفي الباب عن أنس وجابر وسهل بن أسد وأبي بن كعب وابن عباس وأم سلمة.

2. متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، رقم (3421)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، رقم (2781).

3. وقد أنكر بعض المعاصرين هذه المعجزات وقد أفردت الرد عليهم بملحق في آخر هذه الرسالة.


ولكن قد يقول قائل: إن كل هذه المعجزات من الأمور السابقة التي لم نرها، ونحن نريد معجزة حاضرة نشاهدها بأعيننا الآن؟ فهل بقي من هذه المعجزات معجزة باقية إلى عصرنا الحاضر.

الجواب: نعم، هناك ثلاث آيات عظيمة:

المعجزة الأولى: القرآن الكريم، وأوجه إعجاز القرآن كثيرة جداً، ولكن يمكن إجمالها بأربعة أوجه:

1) الإجاز البياني.

2) الإعجاز الغيبي,

3) الإعجاز التشريعي.

4) الإعجاز العلمي.

وفي كل وجه من هذه الوجوه ألفت مؤلفات كثيرة، ولا يسع المقام لذكرها، ولعلنا نفردها في كتاب إذا يسر الله وأعان.

المعجزة الثانية: السنة النبوية، وأوجه الإعجاز فيها كثيرة، ومنها: الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا في عصرنا الحاضر، وعدد الأحاديث التي فيها إعجاز علمي كثيرة جداً حتى إنه أقيمت لذلك الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، ومجالات الإعجاز العلمي فيها كثيرة كالطب وعلومه وعلوم الفلك والفضاء وعلوم الأرض والبحار وغير لك من المجالات، وتجاوز عدد البحوث الآلاف، ومثل هذا لا يمكن الاطلاع عليه في ذلك الزمن إلا عن طريق الوحي، وسنفرد له بحثاً إن شاء الله.

المعجزة الثالثة: ماء زمزم؛ وأوجه الإعجاز في زمزم كثيرة، منها:

1) طول مدتته: فقد حفر في زمن الخليل إبراهيم عليه السلام، والآبار عادة لا تزيد أعمارها عن خمسين سنة ثم تنزح.

2) كثرة مائه: فهو يتدفق وينضح بصورة لا تعرف في الآبار الأخرى.

3) كثرة الشاربين منه: قد يقول قائل: إن كثرة مائه لقلة الشاربين منه.

فالجواب: إنه لا يوجد بئر في العالم يشرب منه عدد من الناس كبئر زمزم، فعدد الحجاج كل سنة يتجاوز ثلاثين ملايين، والمعتمرون في رمضان قريب من هذا العدد، والزائرون للحرم المكي على مدار العام يتجاوز هذا العدد، وكل منهم يشرب منه وينقل إلى دياره، وينقل منه كل يوم إلى الحرم المدني، والآن أقيمت شركات لتعبئته وتصديره على مستوى العالم، ومع هذا النزح الهائل منه لا يزداد إلا كثرة.

4) مخالفته للطبيعة: فالآبار لا تخرج في الأراضي الصخرية والجبلية.

5) شدة حرارة المنطقة: فمكة من أكثر دول العالم حرارة على طوال العام، ومثل هذا الجو لا يمكن الآبار من طول المكث، بل يسارع في تبخيرها.

6) عدم وجود مصادر له: فليس هناك أنهار قريبة أو بحار، ومكة شحيحة الأمطار، ومع هذا ماؤها لا ينضب.

7) شفاؤه للأمراض: كان ﷺ يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم (1). ويقول ﷺ عنه: “شفاء سقم” كما سيأتي، وشفاؤه للأمراض تواتر حتى وصل حد اليقين عند المسلمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. السلسلة الصحيحة، للألباني (2/ 572).


8) استغناء شاربها عن الطعام: ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه في قصة إسلامه كما في صحيح مسلم، قال ﷺ: 

“مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا”؟ قَالَ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: “فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟” قُلْتُ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ قَالَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَإِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ” (1).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام، يصبح يتدفق ويمسي لا بلال بها” (2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نسميها شباعة (يعني: زمزم) وكنا نجدها نغم العون على العيال (3).

وقال ابن القيم (4) رحمه الله عقب حديث جابر رضي الله عنه: “وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرئت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريباً من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعاً ويطوف مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مراراً”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، رقم (2473).

2. السلسلة الصحيحة، للألباني (3/ 45).

3. السلسلة الصحيحة، للألباني (6/ 419).

4. في زاد المعاد (3/ 192)، المطبعة المصرية.


9) استجابة دعوة من شربه:

عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ “مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ” (1).

قال ابن حجر رحمه الله: “وقد وقع في مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: “إنها طعام طعم”، زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم: “وشفاء سقم”، وفي المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: “مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ” (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. أخرجه الإمام أحمد (مسند المكثرين) رقم (14435)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب: الشرب من زمزم، رقم (3062)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 320)، وانظر: إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له، لمحمد بن إدريس القادري، تحقيق: زهير الشاويش، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ – 1993م.

2. ثم قال ابن حجر: “رجاله موثقون، إلا أنه اختلف في إرساله ووصله وإرساله أصح، وله شاهد من حديث حديث جابر، وهو أشهر منه أخرجه الشافعي وابن ماجه ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به، لكن ورد من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان ومن طريق حمزة الزيات كلاهما عن أبي الزبير بن سعيد عن جابر، ووقع في “فوائد ابن المقري” من طريق سويد بن سعيد عن ابن المبارك عن ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر، وزعم الدمياطي أنه على رسم الصحيح وهو كما قال من حيث الرجال إلا أن سويداً وإن أخرج له مسلم فإنه خلط وطعنوا فيه وقد شذ بإسناده، والمحفوظ عن ابن المبارك عن ابن المؤمل، وقد جمعت في ذلك جزءاً، والله أعلم” انظر: فتح الباري: (5/ 302).


وكان أئمة السلف يعملون بمعنى هذا الحديث، فعن سويد بن سعيد رضي الله عنه قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى ماء زمزم واستسقى منه شربة ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد ابن المنكدر عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: “مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ”، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ثم شرب (1). 

وأخرج الدينوري في (المجالسة) من طريق الحميدي قال: كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال: يا أبا محمد! الحديث الذي حدثنا عن ماء زمزم صحيح؟ قال: نعم، قال: فإني شربته الآن لتحدثني مائة حديث، فقال: اجلس فحدثه مائة حديث (2).                                                                                        

وهو مجرب ولا زال الناس يدعون عنده فيستجاب لهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الترغيب والترهيب، للمنذري، كتاب الحج (1/ 188).

2. انظر: إرواء الغليل، للألباني (4/ 330)، وضعف القصة.

مواضيع ذات صلة