قالوا: كان يحرم عليه مد العين إلى ما متع به الناس. بدليل قوله تعالى:
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}
(1).
وقوله تعالى:
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِى وَٱلْقُرْءَانَ ٱلْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}
(2).
قال ابن الملقن: “نقله الرافعي عن صاحب الإفصاح (3) وجزم به ابن القاص في التلخيص، ولذا جزم به النووي في أصل الروضة” (4).
ومعنى
{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}
كما جاء في التفاسير -: أي لا تمدن نظر عينيك، ومد النظر تطويله، وأنه لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه، وإعجاباً به، وتمنياً أن يكون له، كما فعل نظارة قارون حين قالوا:
{يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍۢ}.
ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع، وأن من أبصر شيئاً أحب أن يمد نظره إليه، ويملأ منه عينيه، قال:
{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}.
______________________
1. سورة طه، الآية (131).
2. سورة الحجر، الآية (87 – 88).
3. هو الإمام الحسين بن القاسم الطبري، والإفصاح كتاب له في فروع الشافعية.
4. غاية السول ص 140 – 141.
ومعنى
{أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ}
أي أصنافاً من أصحاب النعيم والغنى.
والذين قالوا بالخصوصية لم يأتوا بدليل على ما ذهبوا إليه. ومن المقرر أن التخصيص لا يثبت إلا بنص.
وما من شك بأن هذا النص القرآني الكريم موجه إلى النبي وأمته، شأنه شأن كل النصوص القرآنية. وسواء أقلنا إن موجب النهي هنا التحريم أم قلنا بالكراهة فهو خطاب لهذه الأمة عن طريق رسولها ﷺ.
ويؤكد عدم الخصوصية عشرات الأحاديث الصحيحة التي قالها صلى الله عليه وسلم موضحاً حقيقة الدنيا، وداعياً فيها إلى صرف الهمم إلى الآخرة، وما هذه الأحاديث إلا الشرح والبيان لهاتين الآيتين وغيرهما مما هو في معناهما، وكذلك هي بيان لعلة صرف النظر عن زهرة الحياة الدنيا.
ولو كان النهي خاصاً بالنبي ﷺ لما كان بحاجة إلى هذا البيان العريض المتكرر.