×

تعدد زوجاته ﷺ

تعدد الزوجات:

أذن الإسلام بتعدد الزوجات، قال تعالى: 

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَٰحِدَةً}

[النساء: 3].

وقال تعالى:

 {وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ}

[النساء: 129].

 والناظر في الآيتين يفهم أن العدل الذي شرط في الآية الأولى، تنص الآية الثانية على أنه غير مستطاع، فيبقى الاكتفاء بواحدة هو الأصل والتعدد إنما يأتي في حال الضرورة لأنه سيكون على حساب شرط “العدل”.

 ويبقى باب التعدد مفتوحاً من حيث الشكل، لأن شرط العدل راجع إلى الزوج ولا يستطاع الحكم على إمكانية إقامته إلا من خلال الواقع، ورب زوج أقدم على الزواج الثاني وهو يظن بنفسه أنه سيقيم العدل، ثم يتبين له غير ذلك.

وهكذا تبقى هذه القضية بين يدي الزوج ومراقبته لله تعالى. .

 وقد كانت قضية “التعدد” مثار الهجوم على الإسلام، من المستشرقين وأعداء الإسلام وأتباعهم من المسلمين المستغربين، ومن الجمعيات النسائية التابعة لهذا الخط في الثقافة. .

 وقبل الخوض في الموضوع، تقول إن الغالبية العظمى من المسلمين هم ممن يكتفون بزوجة واحدة، وقد تزيد نسبة هذا الفريق على 90% من عدد المتزوجين. . وهذا يعني أن الذين يعددون الزوجات عددهم قليل، وكنا نتمنى لو كان هناك إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع. . وإذن لرأينا أن الضوضاء التي تثار حوله أكبر من واقعه بكثير.

ونتساءل لماذا يهاجم الإسلام في هذه المسألة، وهي ليست من صنعه؟

 “إن تعدد الزوجات ليس من صنع الإسلام، وإنما هو تشريع قديم، عرفته كل الحضارات، وفي مقدمتها التوراة، وأقره الإنجيل – إلا في حالة “الأسقف” حيث لا يستطيع الرهبنة مع تعدد الزوجات، فليكتف بزوجة واحدة – وقد بقي تعدد الزوجات معمولاً به في العالم المسيحي حتى حرمته الفوانين الوضعية” (1).

 إن التعدد ضرورة اجتماعية يفرضها الواقع، بغض النظر عن معتقد الناس.

 فقد يتزوج المرء، ثم لا تحمل زوجه ولا تنجب، والرغبة في الأبناء حاجة فطرية، فيضطر إلى الزواج من الثانية من أجل ذلك، وبقاء الأولى زوجة له قد يكون في مصلحتها، فمن الخير لها أن تبقى زوجة لها كل التقدير والاحترام والحقوق عن أن تطلق.

 وقد تصاب المرأة بمرض عضال يمنعها من ممارسة حياتها كزوجة، ويضطر الزوج هنا أن يتزوج، ولأن تبقى المرأة المريضة زوجة خير لها من أن تصبح مطلقة. .

 وقد تصاب الأمة بأزمات كالحروب. . فتفقد عدداً كبيراً من شبابها، فيختل التوازن الاجتماعي بسبب كثرة النساء وقلة الرجال. والسماح بالتعدد في مثل هذه الحال يخفف من حدة ذلك الخلل. .

 ______________________

1. “الرسول في بيته ﷺ ” للدكتور: أحمد شلبي، مكتبة النهضة (ص 108).


 

إن الإسلام عندما أقر “التعدد” لم يقره على طريقة الأمم السابقة قبله، من إطلاقه وعدم تقييده بأي قيد، فلم يكن قبل الإسلام للتعدد سقف يقف عنده الرجل، وقد جاء الإسلام وعند بعض الرجال عشر زوجات. . فجعل الحد الأقصى أربع زوجات، وشرط العدل، وشرط القدرة على النفقة. .

الأمر الذي ضيق دائرة التعدد. .

ثم أباح للمرأة أن تشترط في العقد – إن رغبت – ألا يتزوج عليها الزوج زوجة أخرى، فإن لم يتقيد بهذا الشرط وأقدم على الزواج، كان من حقها طلب الفسخ بواسطة القاضي.

وإذا لم تشترط ذلك، وتزوج الرجل، وكانت غير راغبة بالعيش مع الزوجة الثانية كان لها الحق أن تطلب الخلع. . وذلك بإرضاء الزوج ببعض ما منحها إياه مهراً على أن يتجاوز ذلك ما كان قد دفعه إليها.

وهكذا أحاط الإسلام التعدد بشروط وضوابط، وجعل للمرأة منه المخارج المتعددة بحسب حالتها.

 أما الجمعيات النسائية التي تطالب بإلغاء التعدد، فيقال لهن: يمكنكن إلغاء هذا النظام بطريقة سهلة ميسورة لهن، وهو أن تمنعن النساء بني جنسكن ألا تقبل الواحدة منهن أن تكون الزوجة الثانية. . وإذا تم هذا، فلن يكون تعدد.

 وفي نهاية هذا التمهيد، لا بد لنا من وقفة مع الأنظمة التي ألغت التعدد وجعلته أمراً محظوراً يعاقب عليه القانون.

 وقد فعلت ذلك معظم الدول الأوربية وكذلك أمريكا، حيث لا تسمح أنظمتها بالتعدد.

 وكان من أول نتائج ذلك ارتفاع نسبة الطلاق إلى أرقام غير معقولة حيث يلجأ من يضطر إلى الزواج الثاني إلى طلاق الزوجة الأولى، لأنه وفقاً للقانون فإنه لا يمكنه الاحتفاظ بها، ولو سمح بذلك لهبطت نسبة الطلاق إلى الحد المقبول.

 بضاف إلى ذلك أن هذه الدول التي منعت التعدد: قد أذنت باتخاذ الخليلة والصاحبة إضافة إلى الزوجة، بل يستطيع المتزوج أن يكون له من الخليلات والصواحب ما شاء. .

 ونشأ عن ذلك كثرة اللقطاء وإيجاد تشاريع من أجل نسبة المولود إلى الأم بغض النظر عن ذكر أبيه.

واضطرت الدول إلى إنشاء مراكز لرعاية هؤلاء اللقطاء. . الذين زاد عددهم في بعض الدول عن الأبناء الشرعيين.

 وليت الأمر بقي عند هذه الحدود، فقد استغنى كثير من الرجال عن الزواج كله، طالما أن المجتمع يوفر لهم قضاء وطر الجنس دون أي مقابل ودون تحمل أي مسؤولية.

 ونتج عن ذلك هبوط عدد الأسر في المجتمع. . وبدأت بعض الدول تعاني من عدم وجود الزيادة في السكان، بل أصبحت النسبة في السالب، ونتج عن ذلك أن المدارس بدأت تخفض عدد الفصول فيها وفي طليعة هذه الدول فرنسا وإسبانيا. .

 ونترك لكل عاقل أن يوازن بين هذا الواقع الناتج عن منع التعدد، وبين السماح به – كما هو شأن الإسلام – وفق ضوابط صارمة تحفظ الحقوق، وتنظم المسؤوليات.

تعدد زوجات الرسول :

كان ذلك تمهيداً موجزاً بين يدي الحديث عن تعدد زوجات الرسول ﷺ.

 رأينا في أن الإسلام لم يأت بشيء جديد لم يكن موجوداً، ونضيف إلى ذلك أن معظم الأنبياء والرسل السابقين كان للواحد منهم العدد من الزوجات، وقد ورد في الحديث الصحيح أن سليمان عليه السلام طاف على مائة امرأة في يوم واحد (1). فأين عدد زوجاته ﷺ من هذا العدد؟

نقل بعد هذا: إن تعدد زوجاته ﷺ لم يكن نتيجة لكونه رجلاً شهوانياً كما يصوره أعداء الإسلام، وإنما كان وراء كل زواج له حكمة، قد نستطيع معرفتها تارة، وقد تغيب عنا أخرى.

ولا بد من إيضاح هاتين النقطتين ببعض التفصيل.

أما القول بأنه صلى الله عليه وسلم رجل شهواني، فهو قول يبطله الواقع، فقد رأيناه ﷺ وهو في ريعان الشباب يكتفي بامرأة واحدة.

 – وهذه المرأة كانت ثيباً، سبق لها الزواج مرتين، وهي أكبر منه، وبقي معها – وحدها ولم يتزوج عليها – مدة خمسة وعشرين عاماً، حتى وصل إلى سن الخمسين.

 ثم تزوج الثانية (أم المؤمنين سودة) وهي ثيب أيضاً، وبقي معها – منفردة – مدة خمس سنين.

فهل يقال عن رجل بهذه المواصفات: إنه رجل شهوة؟

 ما أعتقد أن رجلاً في رأسه عقل يقول ذلك، إلا إذا كان عدواً للإسلام عدواً لبيان حقائق الواقع. . كما هو الشأن عند كثير من المستشرقين ومن سار على خطاهم.

______________________

1. رواه البخاري (5242)، ومسلم (1654).

 


وإذا انتفى وصفه بالشهوة. . فلم يبق إلا الاحتمال الثاني، وهو أن وراء كل زواج له حكمة، قد ندركها وقد لا ندركها.

 وقبل الخوض في بيان ذلك، يحسن بنا أن نبين أن الحكمة قد تخفى ما لم يبينها النبي ﷺ.

ففي توزيع غنائم حنين، وجد بعض الصحابة من الأنصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: يغفر الله لرسول الله

يعطي قريشاً – أي صفوان بن أمية وأبا سفيان وغيرهم – وسيوفنا تقطر من دمائهم؟

 وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وسألهم عن مقالتهم فأقروا بها. . فشرح لهم رسول الله ﷺ  حكمة ذلك، وأنه يتألف أولئك النفر على الإسلام. . وأن الناس ينقلبون بالشاء والنعم، وهم ينقلبون برسول الله ﷺ إلى رحالهم. . فقالوا: رضينا برسول الله ﷺ.

 وهكذا حينما عرفهم الحكمة زال الإشكال.

ولم يحدث أن سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب تعدد نسائه، ولو حدث هذا لزال الإشكال. . ومع ذلك فإن الحكمة واضحة في أسباب بعضها. . وما لم تتضح حكمته فإن المسلم يؤمن إيماناً لا شك فيه أن ذلك موجود وإن لم ندركه.

 فزواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة زواج الفطرة الذي يقدم عليه كل رجل.

 وزواجه من السيدة سودة كذلك، فهو زواج رجل ماتت زوجته. . وهو الأمر الذي يحدث لكل رجل في مثل هذا الوضع.

 وزواجه من السيدة عائشة كان خصوصية من خصوصياته، إذ كان بأمر من الله تعالى كما سبق شرح ذلك.

 وكذلك زواجه من زينب بنت جحش، كان بأمر من الله تعالى، وسبق الحديث عن حكمته كما بينها القرآن الكريم.

وزواجه من حفصة بنت عمر كان لتوثيق الصلة بالرجل الثاني بعد أبي بكر، كما كان زواجه من عائشة من بعض أهدافه دخول أبي بكر بيت النبي ﷺ بغير حرج.

 وزواجه بالسيدة أم سلمة، كان حبراً لخاطرها وتقديراً لجهادها الطويل. . وعرفانا لزوجها بجهاده. .

 وزواجه من جويرية بنت الحارث، كان واضح الحكمة عبرت عنه السيدة عائشة وأوضحته. . قفد أطلق أهل مائة بيت من أهلها بزواجها. . وأصبح قومها مسلمون.

 وزواجه من السيدة أم حبيبة – على البُعد- إنما كان حلاً لمشكلة سبق الحديث عن أبعادها، كما كان كسراً لحدة العداوة التي كانت قائمة في نفس والدها أبي سفيان والتي جاء التعبير عنها بقوله – حين بلغه أمر الزواج -: “ذلك الفحل لا يقدع أنفه” أي: الرجل الكريم الشهم.

 وأما زواجه من السيدة صفية، فقد يكون من بعض حكمته: أن الله اختار لها الدين الحق، الذي تأكدت من صحته مما سمعته من أبيها وعمها.

 قالت السيدة صفية تروي قصة هذا الأمر: كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله ﷺ المدينة، نزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي وعمي، وبقيا معه فترة، فلم يرجعا إلا مع غروب الشمس، ورأيتهما آنذاك كالين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما أهتم به بي واحد منهما، بسبب ما كان بهما من الغم.

وسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟

قال أبي: نعم بالتأكيد. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك عنه؟ قال: عداوته ما بقيت.

لقد استقر هذا الحديث في عقل صفية وهي صغيرة يومئذ، وعرفت أن ما جاء به محمد ﷺ هو الحق بشهادة أبيها وعمها. . وفكان من حكمة هذا الزواج أن آمنت بالحق الذي استقر في خلدها.

 وأما زواجه من زينب بنت خزيمة، التي استشهد زوجها يوم أحد فكان جبراً لخاطرها وكفالة لها ولم تطل حياتها كما رأينا.

 وأما ميمونة بنت الحارث، فقد مات زوجها بمكة كافراً، وكانت أخواتها – وكما رأينا – زوجات لكرام القوم، فكان الزواج منها استنقاذاً لها من واحة الكفر يومئذ، كما هو تلبية لرغبة عمه العباس وزوجته لبابة الكبرى.

تلك بعض الحكم من تعدد زوجات الرسول ﷺ، وهناك حكمة عامة تشملهن جميعاً، وهي أنهن “معلمان ومفتيات لنساء الأمة الإسلامية ورجالها في القضايا النسائية والأحكام الشرعية والآداب الزوجية والحكم النبوية. .”.

“كما يلحظ أن من بينهن الصغيرة التي ما تزال تلعب مع أترابها بلعب الأطفال، والمسنة، وابنة عدو لدود، وابنة صديق حميم، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام، ومنهن من تميزت على غيرها بكثرة الصيام والقيام. .”.

 “إنهن نماذج لأفراد الإنسانية، ومن خلالهم قدم الرسول ﷺ للمسلمين تشريعاً فريداً في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية” (1).

 ______________________

1. “السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية” للدكتور مهدي رزق الله أحمد، (ص 711).

مواضيع ذات صلة