ذكر الفقهاء – رحمهم الله – لأزواج النبي ﷺ عدداً من الخصائص التي أكرمهن الله بها، باعتبارهن أزواج النبي ﷺ، ولهذا السبب خاصة.
ولذا فهي بهذا المعنى من خصائص التوقير والاحترام له ﷺ.
ونذكر منها:
1- أنهن أمهات المؤمنين.
قال الله تعالى:
{ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ ۗ }
[الأحزاب: 6 ].
قال ابن كثير: أي في الحرمة والاحترام، والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع.
وهن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء.
وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة قالت لها: يا أمه، فقالت أنا أم رجالكم، لست بأمك (1).
وفي هذا ما يدل على أن أمومتهن لا تتعدى إلى غيرهن أيضاً وقوفاً عند النص. فلا بناتهن أخوات للمؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، لا يقال: معاوية خال المؤمنين.
فالنص يثبت خصوصية لأزواج النبي ﷺ بإطلاق لفظ الأمهات عليهن فلا يتجاوزهن ذلك إلى غيرهن.
______________________
1. “سنن البيهقي” كتاب النكاح. باب ما خص به من أن أزواجه أمهات المؤمنين (7/ 70).
2- تفضيلهن على سائر النساء باستثناء فاطمة رضي الله عنها.
3- جعل ثوابهن وعقابهن مضاعفاً.
قال الله تعالى:
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ يُضَٰعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعْمَلْ صَٰلِحًا نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}
[الأحزاب: 30- 31].
قال الشافعي: قال الله تعالى:
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍۢ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ}
[الأحزاب: 32].
فأبانهن به ﷺ من نساء العالمين، ومعنى هذا أنه جعلهن مباينات لأجل صحبة رسول الله ﷺ لنساء سائر العالمين في الثواب عند التقوى وفعل الخير، وكذا في جزاء الجريمة لو اتفقت منهن والعياذ بالله حاشاهن من ذلك (1).
4- تحريمهن من بعده ﷺ على غيره:
قال الله تعالى:
{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓا أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا}
[الأحزاب: 53].
وسبب نزول الآية كما ذكر المفسرون: أن طلحة بن عبيد الله ﷺ قال: لو قبض النبي ﷺ تزوجت عائشة رضي الله عنها، فنزلت الآية.
قال ابن كثير: ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله ﷺ من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين.
5- أنهن يسألن من رواء حجاب:
قال الله تعالى:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍۢۚ}
[الأحزاب: 53].
قال العلماء: لا يحل لأحد أن يسألهن إلا من وراء حجاب، وأما غيرهن فيجوز أن يسألهن مشافهة (2).
______________________
1. “غاية السول” (ص 252).
2. “الخصائص الكبرى” (2/ 438).
6- ستر أشخاصهن:
قال السيوطي: قال القاضي عياض والنووي في “شرح مسلم”: خصصن بفرض الحجاب عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا لغيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات إلا لضرورة خروجهن للبراز. كن إذا قعدن للناس جلس وراء حجاب، إذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن، وإن زينب بنت جحش جعلوا لها قبة فوق نعشها لستر شخصها (1).
فقد جاء في “طبقات ابن سعد”: أنه لما ماتت رضي الله عنها أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منادياً: “ألا يخرج معها إلا ذو محرم”.
فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئاً رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم؟ فجعلت نعشاً وغشته ثوباً.
فقال: ما أحسن هذا وأستره، وأمر منادياً فنادى: أن اخرجوا على أمكم (2).
واستدل القائلون بذلك بحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ قَالَتْ فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِي وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: (إِنَّ الله أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ) (3).
______________________
1. “الخصائص الكبرى” (2/ 438).
2. “طبقات ابن سعد” (8/ 111).
3. “فتح الباري” (8/ 530).
واستدلوا أيضاً بأن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها.
قال ابن حجر: وليس فيما ذكره – صاحب هذا الرأي – دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن. وقد كن بعد النبي ﷺ يحججن ويطفن، وكان الصحابة يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص (1).
______________________
1. هذا الفصل من كتاب “من معين الخصائص النبوية” للمؤلف. (ص 178- 181).