×

زينب بنت النبي ﷺ

هي أكبر بناته ﷺ. قال ابن إسحاق: ولدت في سنة ثلاثين من مولد النبي ﷺ.

زوجها ﷺ من أبي العاص بن الربيع – ابن أخت خديجة رضي الله عنها – بناء على رغبة السيدة خديجة، التي كانت تعده بمنزلة ولدها، وكان من رجال مكة المعدودين: مالاً وأمانة وتجارة.

ولما أكرم الله رسوله ﷺ بالنبوة، آمنت خديجة وبناتها جميعاً، وبقي أبو العاص على شركه.

وكان ﷺ قد زوج السيدة رقية عتبة بن أبي لهب، والسيدة أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب. فلما بادى قريشاً بأمر الله تعالى قالوا: إنكم قد فرغتم محمداً من همه فردوا عليه بناته فاشعلوه بهن.

فأما ولدا أبي لهب فاستجابا لهذا النداء، وفارقا زوجتيهما قبل الدخول، وزوج عتبة بنت أبان بن سعيد بن العاص، مقابل فراقه بنت رسول الله ﷺ التي أكرمها الله بإخراجها من يده.

 ومشوا إلى أبي العاص، فقالوا له: فارق صاحبتك، ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت. فقال: لا والله، إني لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش.

 وكان رسول الله ﷺ يثني عليه خيراً.

وعاشت السيدة زينب مع زوجها. وهي مسلمة، وهو مشرك. ولم تكن الآيات نزلت بتحريم ذلك.

 وهاجر ﷺ وبقيت زينب مع زوجها في مكة، فلما كانت غزوة بدر كان أبو العاص في جملة الأسرى. وبعثت السيدة زينب في فداء زوجها بقلادة لها كانت خديجة قد أهدتها لها يوم زفافها فلما رآها رسول الله ﷺ رق لها رقة شديدة، وقال: 

(إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها مالها فافعلوا). ففعلوا (1).

 وأطلق رسول الله ﷺ سراحه، بعد أن وعده بأن يخلي سبيل زينب لتهاجر إلى المدينة بعد أن فرق الإسلام بينهما. وأرسل معه زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، وأمرهما أن ينتظرا السيدة زينب خارج مكة ببطن يأجج على الطريق إلى المدينة، لكي يكونا بصحبتها.

 ووفى أبو العاص بوعده، فطلب من زوجته أن تتجهز للسفر إلى المدينة. . وطلب إلى أخيه كنانة بن الربيع أن يخرج بها إلى حيث زيد وصاحبه في انتظارها، ولعله فعل ذلك حتى لا يشهد وادعها، الأمر الذي ستكون ذكراه مؤلمة له.

 وأخذ كنانة قوسه وكنانته ثم خرج بها نهاراً، وهي في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها، وكان أول من سبق هبار بن الأسود فروعها بالرمح وهي في هودجها.. وبرك كنانة، ونثر كنانته ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً فتراجع الناس عنه.

 وجاء أبو سفيان في جلة من قريش فقال: أيها الرجل، كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تُصب خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا، أن ذلك عن ذلك أصابنا، وأن ذلك منا ضعف ووهن، ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك من ثؤرة (2).

______________________

1. أخرجه أبو داود (2692).


2. الثؤرة: طلب الثأر.


ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصوات، وتحدث الناس أن قد رددناها، فاخرج بها سراً وألحقها بأبيها. وفعل كنانة ما أشار به أبو سفيان (1).

ووصلت زينب إلى المدينة، وعلم الرسول ﷺ بما أصابها.

وما كان ﷺ ليسكت على ما أصاب ابنته، ففي “البخاري” 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: (إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: (إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا) (2).

 وقد أوضحت الروايات الأخرى عند غير البخاري ومنها رواية ابن إسحاق – كما عند ابن هشام – أن الرجلين هما هبار وصاحبه.

ومرت الأيام، وأبو العاص في مكة، بعيداً عن زوجته، لم يفكر بالزواج من غيرها، ومن يقوم مقامها جمالاً وحسباً ونسباً؟!

فلما كان العام السادس من الهجرة، خرج أبو العاص تاجراً إلى الشام – وكان رجلاً مأموناً – بمال له وأموال لرجال من قريش، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلاً، لقيته سرية لرسول الله ﷺ، فأصابوا ما معه، وأعجزهم هارباً، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله، أقبل أبو العاص تحت الليل، حتى دخل على زينب بنت رسول الله ﷺ فاستجار بها، فأجارته.

فلما خرج رسول الله إلى صلاة الصبح، وكبر، وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة الناس: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.

فلما سلم ﷺ من الصلاة، أقبل على الناس، فقال: (أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟) قالوا: نعم، قال: (أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم).

______________________

1. “سيرة ابن هشام” (1/ 654).

2. أخرجه البخاري (3016).


ثم انصرف رسول الله ﷺ فدخل على ابنته فقال: (أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له).

وبعث ﷺ إلى رجال السرية الذين أصابوا مال أبي العاص فقال لهم: (إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم، فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به) فردوه عليه.

وعاد أبو العاص بأمواله إلى مكة، فرد الأموال إلى أصحابها، ثم قال: هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، فقد وجدناك وفياً كريما. قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم المدينة.

ورد رسول الله ﷺ زينب عليه، على النكاح الأول لم يحدث شيئاً (1).

والتأم البيت الكريم مرة أخرى، ولكن هذا لم يدم طويلاً فقد توفيت زينب رضي الله عنها في العام الثامن من الهجرة.

وولدت زينب عليا وأمامة: فأما علي فقد مات بعد أمه في حياة أبيه، وقد ناهز الحلم، وكان ﷺ قد أخذه من بني غاضرة وكان مسترضعاً فيهم وأبوه مشرك بمكة. وكان رديف رسول الله ﷺ على ناقته يوم الفتح (2).

وأما أمامة فقد كانت صغيرة يوم ماتت أمها. وهي التي حملها النبي ﷺ في صلاة الصبح على عاتقه، وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها (3).

______________________

1. هذه الترجمة مصدرها “سيرة ابن هشام” (2/ 651 – 659).

2. “شرح الزرقاني على المواهب اللدنية” (3/ 197).


3. متفق عليه (خ 516، م 543).


وتزوجها علي رضي الله عنه بعد موتها خالتها السيدة فاطمة رضي الله عنها، وتزوجت بعد استشهاده المغيرة بن نوفل الهاشمي، وماتت عنده، ولم تلد لعلي ولا للمغيرة.

وأما أبو العاص رضي الله عنه فقد مات في السنة الثانية عشرة بعد أربع سنين من وفاة زوجته.

وقد أثنى عليه رسول الله ﷺ خيراً. ففي “صحيح البخاري” أن رسول الله ﷺ خطب فقال: (أما بعد، فقد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني. .) (1).

______________________

1. أخرجه البخاري (3729). وذكر ابن حجر في “شرحه” تاريخ وفاة أبي العاص.

مواضيع ذات صلة